حل ازمة الهوية السودانية



مدخل:

يستمر الجدل حول مفهوم الهوية ومعني الهوية بين نخب استكانت بين مدرستين مدرسة العروبة والإسلام ومدرسة الثقافة الغربية وتاه مفكري الثقافة السودانية الذين حاولوا ايجاد معني توفيقي بين المخزون العربي والافريقي في الدماء السودانية فكانت مدرسة الغابة والصحراء التي حاول مفكريها إيجاد معني توفيقي بين المخزون العربي والافيقي في الدماء السودانية، فقد كانت تلك المدرسة محاولة لإيجاد أرضية مشتركة تمكن الجميع من التعايش معا ولكن اندثرت تلك المدرسة نتيجة لعدم صياغتها لفكر ذاتي فكل ما كانت تجتهد فيه هو محاولة التوفيق بين الفكر العربي والغربي من اجل الصالح السوداني، ولان الفارق كبير بين الفكر العربي والغربي والواقع السوداني فكان لابد ان تقف تلك المدرسة عاجزة عن مواصلة المسير في طريق التوفيق. المحاولة الجدية الثانية لمفكرى المدرسة السودانية هي محاولة ابكر ادم في جدلية الهامش والمركز ولكنها أيضا لم تحدث اختراق من اجل إيجاد طريق ثالث واضح بين المدرسة العربية والمدرسة الغربية فكانت محاولة توفيقية ايضا.

وفي ظل حالة التيه الحالية، فمع المساهمات القليلة لمفكرى المدرسة السودانية التي لم تتحول إلى رؤية كاملة ومع الضغط العددي لمفكرى مدرسة العروبة والاسلام واخفاق مفكرى المدرسة الغربية في إيجاد تعريف يرضي المجتمع السودان واعتمادهم على الضغط الدولي في سبيل إيجاد موطئ قدم لرؤيتهم داخل الواقع السوداني، في ظل كل ذلك تتشظي الدولة السودانية وتنقسم وتتداعي وتبدا بفقدان أجزائها واحدا تلو الأخر، وتسقط أرواح بريئة في كل بقاع السودان من داخل العاصمة إلى كل الأطراف ويظل السودان معني داخل الوجدان دون مبني حقيقي له.

فلسفة التحولات الاجتماعية:

مهمة الفلسفة هي معرفة مغزى الحياة الإنسانية وبالتالي مساعدة المجتمعات على ممارسة تلك الإنسانية بأفضل الطرق الجماعية، وتسعي الإنسانية منذ بدايتها إلى استيعاب إنسانيتها وإنسانية الآخر، ولم تسعف النخب تلك المجتمعات في إنتاج رؤية كلية تستوعب من خلالها كل الإنسانية، فاستمر التحول المجتمعي رغم محاولة الحد منه في بعض المراحل التاريخية أو توجيهه في مرات أخرى. وأخفقت أيضا الفلسفة المادية الغربية والفلسفة الروحية العربية عندما عجزت عن إيجاد معني كلي للإنسانية خارج إطارها المجتمعي، فحاولت الثقافة الغربية تنميط التحول والسير به في طريق احادي إلى حيث يوجد مجتمعها، اما الفلسفة الروحية العربية فقد اوقفت التحول عند لحظة تاريخية محددة وأصبحت تجذب المجتمعات إلى تلك المرحلة. اما المجتمعات فلها طرقها في التعامل مع تلك الرؤي فهي تسير في طريق التحول وتتعامل مع الفلسفات وفق تجسيدها السلوكي والقيمي، ولكن عند تقاطع تلك الفلسفات مع احساس الفرد والمجتمعات بانسانيتها يظهر ذلك التباين في شكل سلوكيات متناقضة الى ان يحدث الشرخ داخل المجتمع نتيجة لعدم ممارسة كثير من أفراده لإنسانيتهم التي يحسونها ولا يجدونها داخل كثير من المفاهيم والقيم للفلسفة التي تقود مجتمع ما.

ترى فلسفة التحولات الاجتماعية ان دافع التحول دافع ذاتي لدي المجتمعات يحركه الوعي الجيني من اجل استيعاب أكثر لمفهوم الإنسانية وفي سعيها ذلك تمارس انسانيتها وفق مرحلة التحولات التي توجد بها، فهي تعيد تعريف كل المجتمعات على أساس إنساني ويوجد الاختلاف فقط في مرحلة التحولات وما اضر المجتمعات فقط هو القصور النخبوي لاستيعاب تلك الإنسانية، كذلك تعيد فلسفة التحولات الاجتماعية تعريف الاله المتعالي والطبيعة وعلاقة التكامل الإنساني والطبيعي.

 

السودانوية هوية لكل السودانيين:

الهوية هي تعريف لإنسانية مجتمع عن مجتمع أخر، فكل المجتمعات هي مجتمعات إنسانية كاملة تختلف فقط في شكل استيعاب تلك الإنسانية وممارستها باختلاف تحولاتها الاجتماعية. فلا توجد مجتمعات في درجة اعلي إنسانية من مجتمعات أخرى، أو مجتمعات أكثر إنسانية من مجتمعات أخرى.

فالهوية تمثل الذات الكلية المتخيلة عند كل فرد من أفراد مجتمع ما، وهي ما تدفع نحو الانتماء والتوحد. فالهوية الحقيقية هي التي تتكامل داخلها المفاهيم الكلية للمجتمعات المكونة للهوية الكلية مع مفاهيمها الجزئية مما يشكل وحدة عضوية لذلك المجتمع في مقابل المجتمعات الأخرى. فالهوية اذا ليست بالشيء الذي يمكن ان يفرض على الأفراد أو المجتمعات، فدافع الانتماء دافع ذاتي من داخل الفرد ولذلك لا يمكن تحريك ذلك الدافع إذا لم يحس الفرد بإنسانيته داخل تلك المفاهيم والقيم.

والمجتمع السوداني حسب فلسفة التحولات الاجتماعية يوجد في مرحلة تحولات ما بعد القبلية وما قبل التحول الكلي الى ثقافي، فيحتوى المجتمع على كل تلك التباينات، فيوجد به مجتمعات وصلت إلى المرحلة الثقافية جينيا وتوجد به مجتمعات بين بين وتوجد به مجتمعات تحافظ على كثير من الجوهر القبلي قيميا مع كثير من الدافع نحو التحولات سلوكيا أي وجود القيم القبلية ووجود سلوكيات تمثل مظاهر التحول الثقافي، مع وجود مفهوم الدولة كقيمة ثقافية كاملة وفاعلة داخل المجتمعات السودانية، ولذلك عندما نتحدث عن السودانوية فنحن نتحدث حسب فلسفة التحولات الاجتماعية عن الهوية التي يسعي الى تشكيلها كل المجتمع السوداني.

وعلى الدولة كمفهوم ثقافي كامل ان تبعد عن مناطق الصراع وان تسعي إلى ان تكون وسيط بين الكل فمهمتها الحقيقية هي استيعاب كل سوداني ذاتها ومن اجل تلك المهمة عليها ان تعمل على الأتي:

الدولة ومفهوم الإله:

اذا كان مفهوم الإله واضحا في فلسفة التحولات الاجتماعية فذلك لا يعني ان نسعى إلى فرض ذلك المفهوم مباشرتا على الدولة أو المجتمعات متجاوزين علاقة ذلك المفهوم بمفاهيم اخرى، بل علينا ان نساعد المجتمعات للوصول الى ذلك المفهوم بالإرشاد وليس غير. ولذلك على الدولة الخروج من دائرة الصراع الفكري وان لا تتبني مدرسة محددة حاليا إلى ان يحدث التحول الكامل، وهنا نحن نتحدث عن الدولة السودانية القادمة وليست دولة الأخوان المسلمين أو دولة ما بعد الاستقلال عموما التي انحازت للمدرسة العربية بكل نخبها.

فعلى الدولة ان تؤمن بالإله دون توصيف محدد شكلا أو قيما، وعليها ان تفرغ الالهه المتواجدة داخل السودان من كل تناقضاتها الذاتية مع المجتمعات السودانية وذلك بالانحياز إلى كل ما هو سوداني داخل تلك الالهه.

الدولة السودانية والذات:

على الدولة السودانية ان تدرك ان كل إنسان سوداني هو إنسان كامل الإنسانية، وعليها ان تستفيد من القيم المجتمعية التي تهدف إلى التكامل المجتمعي وكذلك كل الأعراف والتقاليد وتسعي إلى استيعابها داخل منظومتها العدلية. ويجب ان يقوم الأساس العدلي على السودانوية دون غيرها من القيم والعادات القادمة من الفلسفات الأخرى، فكل ما يقول به الفكر العربي (كما أوضحنا في مقالات كثيرة) لا أساس له في الإرشاد الإلهي فهي قيم عربية في الأساس. فيجب ان تخرج الدولة من الصراع الفكري وان تتركنا مع مفكري المدرسة العربية الإسلامية والمدرسة الغربية، وان تتجه إلى كل ما هو سوداني.

وعلى الدولة ان تدرك ان كل صراع سوداني سوداني إذا كان بين أفراد أو مجتمعات هو بأسباب سودانية موجودة داخل الواقع ويمكن الإشارة إليها، فعليها ان تسعي إلى إدراك الأسباب ومحاولة إزالتها قبل ان تسعي إلى إدانة فرد أو مجتمع ما، فإذا كان الصراع بين فردين سودانيين فالأكيد ان المتسبب هم الكل السوداني نتيجة لقصور في مكان ما. وذلك لا يعني عدم معاقبة احد ولكن يعني السرعة في إدراك الأسباب حتى لا يقع صراع أخر لنفس الأسباب.

الدولة السودانية والأخر:

يجب على الدولة ان تؤمن بان كل المجتمعات هي مجتمعات كاملة الإنسانية فالإنسانية ليست منحة من احد يمكن ان يمنحها أو ينزعها ولكنها طبيعة الإنسان داخل كل المجتمعات، وليس هنالك تراتبية إنسانية على أساس ديني أو عرقي أو مادي تعطي مجتمع تفوق دون الآخر، فالمجتمع السوداني مجتمع كامل الإنسانية لا يتفوق عليه مجتمع أخر وكذلك المجتمعات الأخرى إذا كانت العربية أو الأفريقية أو الغربية أو الإسرائيلية...الخ. فكل تلك المجتمعات تعتبر ند داخل مفهوم الإنسانية.

هذا الآخر الإنساني اما الآخر الضد فهو كل آخر يؤثر سلبا على فرد أو مجتمع سوداني، فمهمة الدولة هي حماية كل فرد أو مجتمع أو حماية كل المجتمع السوداني من كل أخطار تتهدده من كل آخر ضد. ولا توجد قدسية لدولة ما أو مجتمع ما فوق الحقوق السودانية والإنسان السوداني، فيجب عند حدوث نزاع مع جهة ما ان تدعم الدولة إنسانها أو مجتمعها إذا كانت تلك الجهة ممثلة في أي دولة من دول العالم أو أي فرد أو مجتمع من مجتمعات العالم (واقرب الشواهد ما يحدث للسودانيين في السعودية أو في مصر الآن وغيرها من البلدان والتقصير الحاصل من الدولة في القيام بواجبها). ولا نقول ان الإنسان السوداني فوق قوانين الدول الأخرى ولكن على كل دولة ان تحاكم السوداني وفق قوانين واضحة مع احترام كامل لإنسانيته وظروف توقيفه ودعمه من قبل البعثات الدبلوماسية في تلك الدول.

وأخيرا:

يمكن ان نصل إلى هوية حقيقية تمثل كل السودانيين إذا قامت الدولة بواجبها وخرجت من الصراع الفكري وتفرغت لخدمة الإنسان السوداني وكذلك خرجت النخب من قوقعتها الذاتية التي دخلتها بإرادتها الخاصة وتركت المسرح السوداني لمدرستي العروبة والإسلام والمدرسة الغربية فكانت الأزمات والحروب والقتل والتشرد والنزوح، فيجب ان نقول شكرا لرواد الاستقلال من سياسيين ومفكرين فهذا أقصى ما يمكن ان يصلوا إليه، وعلى النخب الصاعدة ان تبدأ من حيث انتهي المجتمع السوداني فلا فكر سيسعفها عند أولئك القوم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرسالات الإرشادية بعيدا عن التدوين العربي (2)

من الانتفاضة إلى الثورة السودانية (1)