زيف مفهوم القضاء والقدر في الفكر العربي الإسلامي


في مقال المحرمات السابق تهاطل علينا معتنقي الفكر العربي الإسلامي ليس من اجل حوار جاد حول مفاهيم الرسالة أو تثبيت لحق إنساني الهي وهو حقك في الاعتقاد بما تراه صحيحا بما انك ستحاسب عليه، بل يصر معتنقي الفكر العربي الإسلامي ان نتبع فكرهم ذلك، وان كان خطا في نظرنا، وان نحاسب عليه يوم القيامة ولن يحاسبوا هم بالنيابة عنا!!. وهو أسلوب عابد الأصنام فهم يقولون إذا كنت مسلم فيجب ان تسلم بكل ما نقول باعتبارهم ممثلين للإله على الأرض، ولا احد منهم يقول كما نقول: (ان هذا فهمي واعتقادي ومن شاء فليأخذ به ومن شاء فليتركه)، ولكنهم يدعّون الإلوهية ويقولون من شاء فهو داخل المجال الإلهي ومن لم يشاء فهو خارجه أو كافر. فليهدءا هؤلاء فانا لست بمسلم ولم اعرف نفسي على هذا الأساس في يوم ما في كل مقالاتي بل دعوت الآخرين في واحدة من المقالات إلى ترك مفهوم الإسلام والتحول إلى مفهوم الإيمان حتى يستطيع كل فرد ان يحدد معتقداته بعيدا عن الوصاية التي يفرضها ذلك الفكر. وأزيدكم من الشعر بيت، هل أنا كافر؟ نعم، في نظر الفكر العربي الإسلامي نتيجة لرفضي لكل ثوابتهم التي يتحدثون بها باعتبارها قيم إلهية. ولا يشكل ذلك أزمة بالنسبة لي فانا لست مثل كثير من النخب السودانية في أزمان سابقة أو إلى الآن يمكن ان يهددوا بلفظ: أنت مسلم ولا ما مسلم، فانا لست بمسلم، انا مؤمن. وتعمقت كثيرا في الفكر العربي الإسلامي ولكن في الحقيقة لست مهموما به، ولكن مهموم بأثره على المجتمع السوداني الذي انتمي إليه. ولذلك عذرا فلا أجادل الفكر العربي الإسلامي لأنه لا يعترف بأنه فكر بل يتدثر بثوب الإله ويقولون كما يقول كل من يتدثر بذلك الثوب: " قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)"، سورة غافر.

فمقالاتي للذين أدركوا قصور الفكر العربي الإسلامي عن الإجابة على أسئلة الحياة أو للباحثين عن الاعتقاد في أول الطريق وليس أصحاب الاعتقاد الوراثي الذي يجعلهم يقولوا هذا ما وجدنا عليه آباءنا، فعلي كل أولئك إدراك ان معتنقي الفكر العربي الإسلامي لا يمتلكون مفاتيح الجنة. وهي أي هذه المقالات عبارة عن رؤية أخرى للرسالات والحياة عموما. ولا أقول انها ضد أو مع الفكر العربي الإسلامي ولكنها بالتأكيد ليست تجديد لذلك الفكر حتى لا يتعب بعض الباحثين عن إضافات تجميلية لذلك الفكر، فهي رؤية مختلفة تماما عن كل ما يقوله الفكر العربي الإسلامي عن الرسالات والحياة.

يقع فصل في مدرسة على رؤوس بنات شفع صغار نتيجة لخلل في البنيان، فيأتي ملتحفا ثوب الإله ويقول لك هذا قضاء الله وقدره وان حياتهم قد انتهت ولكل اجل كتاب ولا تموت نفس إلا بإذن الله!. ويسرقون قوت المساكين ليلا ليحدثونهم صباحا عن كيف قدر الله الرزق وان ما من دابة الا على الله رزقها ويدعون الناس إلى الاستغفار!!. ويموت طفل أمام المستشفي لعدم حمل ذويه للمال الكافي لعلاجه ويقولوا لهم ابشروا اختاره الله ان يكون من ملائكة الجنة وانه سيصبح لكم شفيعا يوم القيامة!!! ولهؤلاء نقول إذا كان لديكم أسباب أخرى فلتأتوا بها اما هذه فهي عبارة عن تجني على الإله ليس إلا. ويذهبون أكثر ان لم تقبل ذلك فأنت ترفض ركن من أركان الإيمان وستخرج من الملة، ويتحدثون عن القطعيات ويوردوا آيات لا يدركون مغزى الإتيان بها في الإرشاد. أولا كما ذكرت سابقا فانا خارج ملة الفكر العربي الإسلامي أساسا فانا مؤمن ولست مسلم اما مؤمن بماذا فهو لا شان لكل عباد صنم به، ثانيا هي أركان وضعتها نخبكم الفكرية وأصبحتم عاكفين عليها ولست ملزم بها. وأخيرا عليكم ان تمنحونا أسباب من داخل الحياة وليس من المجال الإلهي الذي لا تدركون عنه شيئا.

بداية ليس من واجبنا ان نتساءل لماذا جاء الإرشاد بهذه الطريقة وهل كان في الإمكان ان يأتي بصورة أخرى، وكذلك ليس من واجبنا ان نجاوب على أسئلة يختص بها الإله من نوعية هل يدرك الإله ما سنفعله قبل ان نأتي به أم لا؟ فكل تلك الأسئلة هي تتبع للمجال الإلهي وليس الإنساني ويصبح الإتيان بها عبارة عن الهاء للعقل فقط عن السعي لإجابات تختص بالمجال الإنساني وليس الإلهي.
فالإرشاد أو الرسالات جاءت لتنير بصيرة الفرد والمجتمعات التي أقعدها الجهل وعجز النخب من اجل ان تنهض بالمجتمعات إلى إدراك الحياة وأعمارها، والمجتمعات تختلف من مرحلة تحولات إلى أخرى ولذلك في كل مرة تحتاج إلى إعادة استيعاب الحياة وعدم الركون إلى ما وجدوه عند الآباء من علم فقط، فرغم ان كل الرسالات هي رسالة واحدة إلا انها جاءت إلى المجتمع الواحد عدة مرات نتيجة لاختلاف تحولاته وكذلك جاءت لكل مجتمع على حدا نسبة لاختلافه عن المجتمعات الأخرى، فجاءت تلك الرسالات بلغات مختلفة وحملت معها قيم إنسانية مختلفة كل ذلك من اجل إرشاد الإنسانية فقط، ولم تأتي الرسالات لرسم طريق الهي داخل الحياة ولا وجود لذلك الطريق، أي لا وجود لمفهوم القيم الإلهية الثابتة والمستمرة طوال الحياة، فكل ما فعلته الرسالات هو إنارة الطريق للمجتمعات من داخلها ليرى كل مجتمع معنى الإنسانية من خلال قيمه وتحولاته الاجتماعية، وهو معنى الحد الإلهي الذي جاء في الرسالات، فكل الحدود والقيم التي استوعبها الفكر العربي الإسلامي على انها قيم إلهية كانت عبارة عن قيم إنسانية مجتمعية تعتبر من أكثر القيم تحقيقا للإنسانية لذلك المجتمع في ذلك الزمان، وكان ارتباط تلك القيم بالإله حتى يستوعب الفرد والمجتمع ان اقرب إنسان إلى الله هو أقربه إلى مجتمعه والإنسانية. وارتبطت تلك الآيات بأكثر القيم تأثيرا على المجتمع وتمثل محور التكامل المجتمعي، ونجدها اختصت بعلاقة الرجل بالمرأة عموما أو العلاقات الأسرية نتيجة للهزة الاجتماعية التي أحدثتها الرسالة داخل ذلك المجتمع والتي كانت غايتها دفع المجتمع العربي إلى إدراك مفهوم الأمة أو الثقافة وتجاوز مفهوم القبيلة الذي أصبح لا يعبر عن حقيقة التحولات داخل المجتمع العربي بالإضافة إلى إدراك الاختلاف الإنساني ومفهوم الإله المتعالي، فكانت تلك القيم الواردة في الإرشاد هي جزء من قيم مبعثرة داخل المجتمع العربي أو في ذهنه فقط وانتخبها الرسول بوعيه النخبوي وأكد عليها الإرشاد فيما بعد. فالارتباط ليس بين القيمة وبين مفهوم الحد الإلهي باعتبار ان القيم تختلف باختلاف التحولات ولكن الارتباط الحقيقي بين معنى القيم وبين الحد الإلهي داخل كل مجتمع على حدا.

فالحد الإلهي الحقيقي لا يوجد في تفاصيل الحياة ولكن يوجد في القوانين الكلية التي تحكم الحياة من خارجها، يوجد ذلك الحد في السنن الكلية المتمثلة في قانونين وهما القانون الطبيعي الذي أصبحنا ندرك عنه الكثير وقانون التحولات الاجتماعية أو قوانين الجينات التي التفت إليها الغرب أخيرا وبدأنا نستوعب الأثر الجيني على الفرد. وهي قوانين محيطة بحياة الفرد وليست قوانين مسيرة لحياة الفرد، ففي تلك القوانين تكمن المشيئة والحد الإلهي، اما ما يحدث داخل تلك الحياة فهو يرجع إلى الفرد والمجتمع وليس إلى الله. فالفرق بين الفعل الإلهي والفعل الإنساني كمثال نجده في الفرق بين الموت الطبيعي الذي تحكمه قوانين الجينات الكلية وبين القتل كمسبب لإنهاء الحياة، فالأول هو الحد الإلهي اما الثاني فهو الفعل الإنساني. فكل قتل عمد أو خطاء أو غيره هو فعل إنساني لا علاقة له بالمشيئة الإلهية. فما حدث لتلك الفتيات وانهيار الفصل الدراسي عليهن يمكن ان يصل إلى مرحلة القتل العمد نتيجة للاستهتار بقوانين الحياة الكلية المتمثلة هنا بقوانين الطبيعة. فلم يكن ذلك يومهم الإلهي للوفاة ولكن كان يومهم الإنساني، فلم تصل أجهزتهم الحيوية لوحدها إلى نهايتها بعد، ولذلك لولا أولئك القوم لكانوا أحياء بيننا الآن ينعمون بطفولتهم الغضة وينظرون إلى مستقبلهم الزاهر، لولا عابدي صنم الفكر العربي الإسلامي الذين يقرنون مشيئتهم بالمشيئة الإلهية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرسالات الإرشادية بعيدا عن التدوين العربي (2)

من الانتفاضة إلى الثورة السودانية (1)