مفهوم الجندر في الفكر الإنساني من اجل فكر سوداني


لقد ذكرنا سابقا ان أزمة التدوين التي واجهتها الثقافة السودانية كانت من اثر تواجد الرؤية العربية والغربية وضغطها على الواقع السوداني ولذلك تكون دراستنا لتلك الثقافات تنبع من وجودها داخل الواقع السوداني فالثقافة العربية بالوجود الجيني والثقافة الغربية من خلال فرض جزء من رؤيتها الكلية مثل الدولة والديمقراطية وغيرها على الثقافة السودانية.
ولقد حاول الفكر السوداني من خلال نخبه انتاج رؤية كلية للثقافة السودانية ولكن عدم التحول الكلي للمجتمعات السودانية وكذلك وجود الرؤية العربية من خلال تاثير الوعي الجيني هذه الثنائية قد قادت كل محاور الفكر السوداني من أول بادرة لتشكيل الدولة السودانية التي تمثلت في محمد احمد المهدي ولكن تمكن ثنائية الإسلام والعروبة من فكر نخب التحولات في ذلك الوقت هو ما أدي إلى بقاء الفكر بعيدا عن انتاج كلية قيمية تستوعب كل المجتمعات السودانية واستمر الفكر السوداني يدور بين كلية القيم العربية وبعض محاولات اعادة الاستيعاب للثقافة الغربية وتجريب كل ذلك على الواقع السوداني بعيدا عن رؤية الواقع بعيدا عن أي رؤية أخرى غير الثقافة السودانية والمجتمعات السودانية مما أدي إلى استمرار التحولات الاجتماعية ولكن بعيدا عن الاستيعاب وإعادة الاستيعاب النخبوية.
رغم وضوح الاختلاف بين الانثي الذكر عموما وعلى الانسانية بوجه خاص لكن وقفت البشرية حائرة امام ذلك الاختلاف من حيث تصنيفه فبعد محاولات كثيرة من جانب النخب الغربية لم تجد تلك النخب غير التوصيف الفسيولوجي أو الوظيفي ولذلك وبناء على رؤية الفردية التي لا تشتمل على ذات اجتماعية كانت المناداة بالمساواة الكاملة بين الرجل والمراة وتم رد الاختلاف إلى وظائف الاعضاء دون دراسة لاثر تلك الوظائف على الكل الإنساني للرجل أو المراة إذا سلمنا جدلا بان لا خلاف سوى ذلك. اما الثقافة العربية والتي ارتكزت في العلاقة بين المراة والرجل على مرحلة التحولات الاجتماعية التي كانت تعيشها الثقافة العربية اثناء الرسالة المحمدية والتي ادت إلى اعادة استيعاب الرسالة بناء على الكلية الثقافية التي تمثلت بالنسبة للنخب من خلال القيم السلوكية والتي تمت قولبتها كقيم إنسانية فتم تجاوز مجتمع التحولات (المجتمع المكي) والعودة إلى المجتمعات الحقيقية (المجتمعات القبلية) لرؤية سلوكها وتدوينه باعتباره رؤية كلية رغم الاختلاف بين المجتمعات الحقيقية ومجتمع التحولات في نظرته السلوكية للرجل والمراة.
تختلف اعادة الاستيعاب بين المجتمعات والثقافات، فعند المجتمعات تكون الإنسانية مجسدة من خلال أشخاص محددين وهو ما يؤدي إلى تطابق الإنسانية مع العرق أو القبيلة أو غيره وهو ما يؤدي إلى ضغط التحولات في محاولة لاستيعاب ذلك الكل أي يكون لكل فرد دور محدد اما التحولات في الثقافات والتي تكونت نتيجة لتداخل عدة مجتمعات مما أدي إلى اعتماد التزامن الترميزي وهو الوعي بسلوك محدد كسلوك إنساني لذلك تم تدوين ذلك الترميز الذي يخضع لوعي المجتمعات من خلال مفاهيم إنسانية للثقافة.
ونسبة لاختلاف التدوين بين ثقافة واخرى بناء على مرحلة التحولات التي مرت بها تلك الثقافات لذلك نجد الاختلاف التدويني بين الثقافة العربية والغربية ينبع من اختلاف التحولات والتزامن الترميزي السلوكي لكل ثقافة والذي يفترض فعل محدد كفعل إنساني. ولاكتمال التحول عند الثقافة الغربية وانعدام المجتمعات الحقيقية عند مرحلة صياغة التدوين كان الاعتماد على السلوك فقط في رؤية الإنسانية ولذلك فان ضغط التحولات عند الثقافة الغربية والذي أدي إلى وجود الانثي بصورة فاعلة على المستوى المجتمعي من الاسرة إلى المجتمع التخيلي (الدولة) هو الذي انتج رؤية المساواة والتي تجسدت من خلال التحولات كفعل سلوكي فالنخب عمدت إلى صياغة ذلك الوعي من خلال مفاهيم. اما الثقافة العربية ولان مرحلة التدوين نتجت داخل مراحل التحولات وذلك بوجود مجتمع تحولات ومجتمعات حقيقية فصياغة المفاهيم تمت بناء على تلك المرحلة. فمجتمع التحولات على مستوى مدينة مكة والذي تجاوز الترميز العشائري والقبلي إلى تجسيد انساني من خلال رمزية العرق العربي أدي في الاعتماد على التدوين من قبل النخب على تلك الثقافة وبالتالي مجتمعاتها الحقيقية لرؤية معني الصياغة المفاهيمية وبالتالي الرؤية الكلية. فالتدوين تم داخل الثقافة العربية بين ثنائية المجتمع التحولي الذي تجاوز الترميز العشائري والقبلي إلى تجسيد انساني من خلال رمزية العرق العربي أدي الاعتماد في التدوين من قبل النخب على تلك الثقافة وبالتالي مجتمعاتها لصياغة المفاهيم وبالتالي رؤية الكلية. ولذلك فالتدوين عن الجندر لم تخرج عن تلك المرحلة التدوينية بين مجتمع التحولات الذي تجاوز الترميز الأولى وأصبح ينظر للانثي بمنظور مختلف.
والاختلاف بين المراة والرجل يكمن في رؤية التحولات الاجتماعية داخل اعادة الاستيعاب للوعي ففي حين يتشكل وعي المراة من خلال الاستيعاب على المستوى الإنساني الجيني، فالمراة تمارس وعيها من خلال الرؤية الكلية الموجودة على مستوى المجتمعات وتستوعب تلك الرؤية من خلال مجتمعها الحقيقي الجيني فهي معنية بالمعني الإنساني قبل المعني السلوكي ولذلك عند الاصطدام بين الرؤية المتواجدة على المستوى المجتمعي والوعي الجيني فهي تنحاز إلى الوعي الجيني. اما الرجل فهو خاضع لإعادة الاستيعاب ومحاولة صياغة تلك الاعادة داخل رؤية كلية، أي ان الرجل في حاجة إلى انتاج كلية بين الوعي الجيني والقيم السلوكية ولذلك يمكن ان يشكل مجتمعه الحقيقي خارج اطار المجتمع الجيني. فالاستيعاب الانثوي وإعادة الاستيعاب الذكوري عبارة عن تكامل في ممارسة الوعي الإنساني. وتختلف تلك المرحلة بين كل فرد واخر بالنسبة للمجتمع أو الثقافة وموقع الفرد داخل مجتمع التحولات والتزامن الترميزي السلوكي الذي يجسد إنسانية ذلك الفرد.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرسالات الإرشادية بعيدا عن التدوين العربي (2)

من الانتفاضة إلى الثورة السودانية (1)