الخطاب الايدولوجي الموجه من الثقافات الغربية والعربية وأثره على الثقافات الأخرى


الثقافة السودانية نموذجا
(1)
لقد عرفنا سابقا الايدلوجية بانها البيئة الثقافة والكلية القيمية التي تجد المفاهيم احالتها المادية المباشرة وتتفاعل من خلال ذلك الكل. ولذلك عند الحديث عن الثقافة السودانية يجب الوعي بتداخل المفاهيم بين بيئتها الاصلية وبين الواقع السوداني فللمفهوم من خلال كليته واعادة استيعابه معني وعند خروجه من بيئته يكون مفصول عن كليته القيمية وعن مجتمعه لذلك يفقد خاصية التكامل والتفاعل فيصير كلية في حد ذاته وتحاول الثقافات استيعابه بناء على كليتها القيمية.
الثقافات العربية والغربية والواقع السوداني:
لا شك ان مرحلة التدوين الطويلة التي خاضتها الثقافات الغربية والعربية قد أنتجت مفاهيم قيمية مع معاني ثقافية محددة ولذلك تجزئة تلك القيم لأخذ جزء منها دون الاخر من قبل الثقافات الأخرى لا يفضي إلا إلى إفراغ للثقافات الأخرى من قيم سلوكية كانت تمثل بعدا انسانيا واجتماعيا. فلا يمكن ان نفصل مثلا بين مفهوم الديمقراطية الغربية عن نظريات مثل الدارونية والفرويدية أو اقتصاد السوق والفردية وما تبعهما من نظريات على مختلف العلوم الإنسانية الغربية والتي خلاصتها مفهوم التطور والحضارة في مقابل البدائية فإذا كانت مرحلة التدوين الغربية قد تمت في مقابل العلم الطبيعي، فقد اتجهت الثقافة العربية في مرحلة التدوين في مقابل الرسالة الإلهية، فمثلا لا يمكن فصل مفاهيم مثل أهل الحل والعقد عن الشورى عن الاقتصاد الإسلامي وأهل الذمة والحجاب وغيرها فكلها مفاهيم ثقافية. فإذا كانت تلك مفاهيم وفق معاني ثقافية على حسب توصيفنا لها فيكون السؤال قائما: هل هنالك رؤية إنسانية خارج إطار الداروينية والفرويدية وما تبعهما من نظريات على مختلف العلوم الإنسانية الغربية أي خلاف مفاهيم التطور والحضارة في مقابل البدائية وكذلك هل من الممكن ان تكون هنالك رؤية للمعني الإلهي والنص القراني بخلاف ما تقدمه الثقافة العربية؟ فإذا كانت هنالك ما هي؟ وما معني ما تقدمه تلك الثقافات الغربية والعربية للثقافات الأخرى؟
رؤية أخرى للإنسان والثقافة:
نقدم رؤية بديلة للتطور والفردية الغربية وهى رؤية التحولات الاجتماعية التي تقوم على الإنسان الاجتماعي الذي يحمل الهوية الاجتماعية في داخله على المستوى الجيني وتطابق تلك الهوية مع الواقع الخارجي أي وجود المجتمع الحقيقي هو ما يخلق التوازن بالنسبة للفرد والمجتمع فالوعي ليس بقيم سلوكية تتحور بناء على التحولات الاجتماعية ولكن الوعي بإنسانية ذلك الفرد وعدم اعتباره أخر مضاد هو ما يتكون على المستوى الجيني فتقبل أو نفي السلوك الشخصي يتم بناء على تقبل الأخر أو نفيه. والتحولات الاجتماعية تعني محاولة استيعاب إنسانية الأخر الثقافي نتيجة لذلك التلاقح الجيني، والوعي بالإنسانية يعني استيعاب مرحلة التحولات التي يمر بها ذلك الشخص من خلال الوعي بالمعادل الموضوعي للسلوك كمكمل للشخصية الإنسانية وليس تصنيف السلوك بـ مع أو ضد. ومع استمرار التحولات التاريخية نشأ داخل كل ثقافة مجتمع تحولات داخلي يقود بقية المجتمعات نحو رؤية قيمية كلية تتجاوز الترميز السلوكي داخل المجتمعات إلى ترميز انساني بناء على الوعي الجيني إذا كان ذلك الترميز للإنسان أو للإله أو للطبيعة أو المجتمع. اما الإله من خلال رؤية التحولات الاجتماعية فهو ما يتجاوز الثقافة الأحادية إلى الكل الإنساني وهو ما لا يمكن ترميزه من خلال ثقافة أو سلوك محدد أو بمعني أخر هو الإله المتعالي على الفعل الإنساني والمتجرد من المادة.
ولمحاولة الإجابة على الأسئلة أعلاه نحاول الوعي بماهية الثقافة السودانية وعلى المقولات والمفاهيم التي لها تأثير مباشر على مراحل الاستيعاب والتحولات للمجتمعات والتي كونت ما يعرف اليوم بالدولة السودانية، كمفاهيم مثل الديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق والعلمانية والتي تفرض ذاتها اليوم كبديل لكل الطرق التي يمكن ان تدار بها المجتمعات، وتلك المفاهيم هي جزء من العلوم السياسية التي هي جزء من العلوم الإنسانية التي تلبي حاجة الثقافة الغربية والإنسان الغربي في تحولاته الاجتماعية فنظرة الثقافة الغربية لبقية الثقافات هي عن نظرة ايدولوجية بحتة (أي لا تجد معناها إلا داخل الثقافة الغربية) تعتمد نظرية التطور والتي غايتها هي قيم الإنسان الغربي، وهي نظرة محدودة الأفق إلى الإنسان والثقافة. ان الايدولوجيات التي قدمت تعريف للإنسان حتى الآن هي الايدولوجية الغربية وايدولوجية الاستيعاب العربية وكذلك اليهودية التي تقدم إنسانها في مقابل أخر لا أنساني. ولذلك كانت الرؤية الكلية في داخلها تعبير عن ذلك الإنسان إذا كان فرد كما في الثقافة الغربية أو مجتمع كما في الثقافة العربية. فالرؤية الكلية التي تم بلورتها من خلال الهوية الغربية أو العربية أو اليهودية والتي كانت نتيجة ضغط التحولات مع الثقافات الأخرى أدت إلى صياغة الأنا باعتبارها هي الرمز للكل الإنساني وبذلك حالت دون إمكانية ان يكون هنالك أخر مختلف ثقافيا وبالتالي سلوكيا. ان البحث عن الإنسانية من خلال رؤية كلية يجب ان يرتكز على رؤية تحدد العلاقة بين الإنسان والمجتمع والإله، فتلك العلاقة المتداخلة والمتشابكة هي محصلة التاريخ.
نظرية التحولات الاجتماعية:
ومن هنا نبدا رؤية التحولات الاجتماعية التي تقوم على الإنسان الاجتماعي الذي يحمل الهوية الاجتماعية في داخله على المستوى الجيني وتطابق تلك الهوية مع الواقع الخارجي أي وجود المجتمع الحقيقي هو ما يخلق التوازن بالنسبة للفرد والمجتمع، فالوعي إذا ليس بقيم سلوكية تتحور بناء على التحولات الاجتماعية ولكن الوعي بإنسانية ذلك الفرد وعدم اعتباره أخر مضاد هو ما يتكون على المستوى الجيني فتقبل أو نفي السلوك الشخصي يتم بناء على تقبل الأخر أو نفيه. فالفرد ليس كامل بذاته من خلال رؤية التحولات الاجتماعية ولكنه دوما في حاجة إلى مجتمعه الحقيقي لتحقيق إنسانيته. والتحولات الاجتماعية تعني استيعاب إنسانية الفرد الذي نتج بناء على التداخل الجيني وتعني كذلك استيعاب مرحلة التحولات التي يمر بها ذلك الشخص من خلال الوعي بالمعادل الموضوعي للسلوك كمكمل للشخصية الإنسانية وليس تصنيف السلوك بـ مع أو ضد من قبل الفرد أو من قبل النخب الاجتماعية. اما الإله من خلال رؤية التحولات الاجتماعية فهو ما يتجاوز الثقافة الأحادية إلى الكل الإنساني وهو ما لا يمكن ترميزه من خلال ثقافة أو سلوك محدد. وعلى حسب تلك الرؤيا نجد نخب الثقافة الغربية قد اعتمدت على الفرد والمجتمع التخيلي (الدولة) وذلك نسبة لاكتمال التحولات داخل الثقافة الغربية وعدم وجود مجتمع حقيقي ومجتمع تخيلي وكذلك فترة الكمون الطويلة التي عاشتها تلك الثقافة بعيدا عن ضغط التحولات مع الاخر الثقافي كل ذلك أدي بالمجتمعات الغربية ان تمثل مجتمع تحولات كامل ولذلك تم التدوين من قبل النخب على أساس الوعي السلوكي في بناء الكلية القيمية. اما الثقافة العربية واليهودية (مع الاختلاف بين الثقافة العربية واليهودية فقد كان التحول في الثقافة اليهودية يتمثل في افراد داخل مجتمع حقيقي اما على مستوى الثقافة العربية فقد كان التحول يتمثل في مجتمع كامل هو المجتمع المكي داخل مجتمعات حقيقية محيطة) فقد اعتمدت على المجتمع والإله الفاعل تاريخيا من خلال قيم مادية معطي، فاستبعدت الثقافة الغربية الإله الفاعل واعتمدت النخب على السلوك في التدوين لقياس الإنسانية فتم بناء الدولة أو المجتمع التخيلي بناء على التحول الأعمى وهو تحول القيم سلوكيا نتيجة لضغط التحولات المجتمعية مثل الحروب والهجرات وغيرها. وضغط التحولات عبارة عن تجاوز ترميز القيم السلوكية نتيجة لإعادة صياغة الكلية المجتمعية ويكون أولا من خلال المجتمعات نتيجة للواقع المباشر لضغط التحولات ثم النخب باستيعاب السلوك الجديد من خلال قيم داخل الرؤية الكلية أو اعتبار ذلك السلوك كضرورة خارج إطار تلك الرؤية.
ولان كل النخب إذا كانت أفراد أو مجتمعات قد رأت في تمايزها الذي انتخبت من اجله من قبل الثقافة السودانية لخوض معركة التحولات والاستيعاب (بمعني التكامل العضوي الإنساني أو الوعي بإنسانية الأنا والأخر المجتمعي والاستفادة من مراحل تحولات الثقافات الأخرى وهو ما وقفت ضده الايدولوجيا العربية والغربية نوعا ما) إلى تمييز لها عن بقية المجتمعات المحلية، فكانت التحولات تتم من مرحلة إلى أخرى عن طريق المجتمع وليس عن طريق النخب ففي تحليلها للازمة اتجهت النخب ذات اتجاه المجتمع في البحث عن، من هو المسئول؟ وهو سؤال ترميزي بالنسبة للمجتمع فعند معرفة من؟ يكون متبوعا بكل منهجه وسلوكه. فيكون التجاوز الكلي لهذه الجماعة أو تلك في مراحل التحول الأعمى الذي خاضه المجتمع ولذلك لا يستفيد المجتمع السوداني من التاريخ في بناء ذاته أو الاستفادة من جزئيات التحولات لعدم وجود كلية تستوعب الثقافات المتعددة التي كونت النخب. ولإعادة الفاعلية لدي النخب لإنتاج هوية للثقافة السودانية ولا يمكن ذلك إلا بتجاوز التحول الأعمى الذي يقوده المجتمع إلى التحول نخبوي على أساس استيعاب قيم المجتمع السوداني الحقيقي وبلورة تلك القيم داخل رؤية كلية ثقافية واستيعاب معني التحولات الاجتماعية ووجود الاختلافات بين المجتمعات في مراحل التحولات وتأثيرها على سلوكيات أفراد تلك المجتمعات. فإحالة المفاهيم ماديا في الثقافة الغربية للدلالة على إنسان تلك الثقافة مثل التطور والديمقراطية والعقلانية للدلالة على رؤية النخب التاريخية، والتي تم ترميزها (المفاهيم) على مستوى الثقافة الغربية من خلال مراحل الاستيعاب المتعددة. والرمز هنا يعني استيعابه للمتغيرات الاجتماعية نتيجة للتحولات من خلال جزئيات مع بقائه كرمز يرتبط بالمعني الإنساني، ويكون احد المحددات التي يتم من خلالها الفصل بين الأنا والأخر فصياغة الهوية الثقافية من خلال نسق لغوي معرفي لا يعني انقطاع ذلك النسق أو المفاهيم عن إحالتها المادية أو دلالتها الأولية. وهو دور النخب لتجاوز المجتمعات في الوعي بقيم الأخر ومحاولة تبيئة ما يفيد الثقافة الكلية في مرحلة التحولات بإضافته للمجتمع على شكل سلوك محدد.
ان وجود المجتمع النخبوي يعني وجود استعداد داخل المجتمع لصياغة إنسانيته برؤية محددة، وكذلك الوعي بالأخر كانسان وليس كأخر ايدولوجي. ولذلك نجد في مراحل التحولات اختلاف بين الفرد والمجتمع والمجتمعات الأخرى التي تكون المجتمع الواحد، وباختلاف مراحل التحولات من فرد إلى اخر نجد المجتمع يرمز النخب لأنها أكثر من يستطيع الاستيعاب ثم يبدأ بالضغط من اجل الوعي الكلي (على الفرد النخبوي أو المجتمع النخبوي)، ونسبة لحركة التحولات المجتمعية التاريخية فلكل ثقافة مجتمع تحولات يكون عبارة عن بوصلة في رؤية كيفية الاستيعاب ويتكون مجتمع التحولات من أفراد أو مجتمعات صغيرة ويتمدد إلى ان يشمل في الأخير الكل الثقافي لاستيعاب التحولات الاجتماعية، وكان اتجاه كل السودان منذ القدم في نظرته للتحولات الاجتماعية ناحية الوسط، وهو اتجاه تاريخي فمنطقة الوسط أصبحت مع التاريخ هي مجتمع التحولات بالنسبة للثقافة السودانية والمستوعب الأول لإنسانية الكل الثقافي إذا كان من المجتمعات التي كونت الوسط أو إذا كان اخر ثقافي، فكل المجتمعات التي تحيط بالوسط من شمال وغرب وجنوب وشرق كانت دائما تري في الوسط النموذج في إمكانية التواصل الإنساني مع الذات والأخر، ولكن كان ذلك في ظل النخب الاجتماعية التي حافظت على المجتمعات من خلال الهوية المجتمعية. ولكن بعد تشكل المجتمع التخيلي (الدولة)  بناء على رؤية النخب الثقافية والتي اعتمدت على مجتمع تخيلي لا يمثل الهوية السودانية فكان الضغط من قبل المجتمعات التي كونت إنسان الوسط لذلك الإنسان نسبة لاستبداله قيم الثقافة السودانية بقيم أخرى غربية أو عربية في تشكيل المجتمع التخيلي (الدولة).
ان التحولات ومحاولة الاستيعاب التي كانت تحدث طوال التاريخ السوداني عن طريق النخب الاجتماعية أدت إلى الوعي بقيم الاخر السلوكية وتحورها عن طريق التحول الاعمي للاستفادة منها في المجتمع السوداني، فلم تكن هنالك رمزية للمقولات أو احالاتها المادية إلا بناء على فاعليتها داخل الواقع الاجتماعي ولكن عند وصول ضغط التحولات بين الثقافة العربية والغربية إلى محاولة سيادة نموذج على الاخر عن طريق تمرير الثقافة الغربية لمجتمعها التخيلي النموذجي الذي يتجسد في الدولة واستيعاب مفاهيم ذلك المجتمع من خلال القيم السلوكية التاريخية للمجتمع العربي وكل ذلك داخل مجتمع اخر هو المجتمع السوداني مما أدي إلى تمايز نخب الثقافة السودانية وسعيها كل في اتجاه مغاير عن الاخر من خلال تلك الرؤى الايدولوجية للثقافة الغربية والعربية وهو ما أدي بالتالي إلى بعد المجتمعات غير الوسطية وضغطها على مجتمع الوسط وهو المجتمع الاستيعابي في سبيل انتاج رؤية تكون نتاج للواقع السوداني وليس بلورة قيم الاخر على مستوى الواقع وهو ما يتجسد تاريخيا في التقاطعات التي حدثت بين مجتمع الوسط وبقية المجتمعات المكونة لذلك المجتمع.
عند الإحالة المادية لقيم الثقافة الغربية كالديمقراطية وغيرها نجدها في إحالتها المادية تعني الإنسان الغربي وتصوره للانا والأخر في قيمه العليا، فكل التجسيدات لتلك القيم تؤدي إلى ان يبقي الإنسان الغربي هو النموذج وبالتالي نجد كل نتاج الثقافة الغربية يصب في ذلك الاتجاه من اقتصاد وعلوم انسانية وغيرها، كما نجد هذا أيضا في الثقافة العربية فكل العلوم الشرعية تصب في اتجاه سيادة الإنسان العربي فاعتماد الفرد من قبل الثقافة الغربية واعتماد المجتمع من قبل الثقافة العربية كمحددات ايدولوجية لتمرير خطاب وقيم ثقافية يجب ان لا يلهينا عن محتوى ذلك الخطاب كخطاب ثقافي لا يستوعب الاخر إلا من خلال منظور أحادي يستقطب الأخر لتمرير قيمه والمحافظة على الكلية التي تم إنتاجها. فالنقيض للفرد الغربي هو الإنسان البدائي أو الأولي وفي أفضل الأحوال هو إنسان على سلم التطور إذا طبق القيم الغربية، ولكن لا يمكن ان تتمسك بقيمك وتكون أخر إنساني، اما الثقافة العربية فأنت تدور حول قيم ثقافية مجتمعية عربية اما قيمك المجتمعية فهي عبارة عن بدعة يجب رفضها وإلا فأنت كافر. وقد اعتمدت الثقافة العربية على إحالات مادية ثقافية لمفاهيم الرسالة المحمدية كما سنري لاحقا ولكن نقتبس هنا ان الإحالة المادية لمفهوم الإسلام التي سوف نناقشها لاحقا حتى على مستوى نص المصحف العثماني نجد في تتبعها لا تعني الذي يؤمن بالإحالات المادية الثقافية للرسالة المحمدية ولكن كل من يؤمن بان هنالك اله واحد بغض النظر عن كيفية التوصل إلى ذلك الإله هو مسلم، فالإسلام بناء حتى على نص المصحف العثماني هو رسالة توحيدية فكل من يوحد الإله هو مسلم فلذلك كانت دعوة كل الرسل هي الإسلام كتوحيد وليس الإسلام كرسالة شرائعية ذات قيم ثقافية إذا كان الإسلام اليهودي أو الإسلام المسيحي أو الإسلام المحمدي، كما نجد في الآيات ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)، (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132))، وغيرها من الآيات التي وردت على لسان الأنبياء. ولكن تحور المفهوم عند بناء الكلية أدي إلى اعتماد إحالة مادية أحادية لذلك المفهوم كمحاولة للوعي بالرسالة من داخل الثقافة في المرحلة الأولي ثم تقييد الأخر في المراحل التالية، فليس المفهوم أو الإحالة المادية هي المعضلة ولكن تجسيداته من خلال الكلية، ولذلك نجد ان الرسالات تفسر من داخل الثقافات ثم بعد ذلك يصبح ذلك التفسير هو الرسالة الإلهية اذا كانت اليهودية أو المسيحية أو التفسير لنص المصحف العثماني، فالرسالة المحمدية لا تفسير لها خارج إطار الثقافة العربية في وعي النخب العربية ومن تبعها من بقية الثقافات. فنجد من خلال دراستنا (الثقافة العربية والإسلام معاني ايدولوجية لرسالة إلهية) كيفية التحول من نص مصحف الإمام إلى النص الموازي وهو نص السنة في دلالته الثقافية نسبة لبشرية منتجه وهو الرسول وتاريخيته من خلال حياته. لذلك نجد ان انتمائك إلى الإسلام والى مجتمعك الحقيقي على حسب تلك الرؤية يدخلك في تناقض فأنت تعيش في مجتمع لا يطبق القيم الإسلامية كما تراها مركزية الإسلام العربية وبالتالي لا ينتمي إلى الإسلام بناء على مفاهيم مثل مفهوم البدعة الذي صيغ على قيم الثقافة العربية فكل ما عداها من قيم بدعة يمكن للثقافة العربية ان تستوعبها أو ترفضها فثقافتك وقيمك ومجتمعك كل ذلك بدعة في دعوة صريحة لرفض الذات والانتماء إلى الأخر العربي. والناظر إلى المجتمعات العربية يري اثر التحولات الاجتماعية ولكن على مستوى الوعي الكلي ليس هنالك أي اثر لما وصلت إليه المجتمعات العربية في الجزيرة العربية اليوم والكلية الثقافية التي تمت صياغتها تاريخيا كمجتمع تخيلي من المفترض ان يعبر عن المجتمع الحقيقي.
وكانت التحولات تتم عن طريق التحول القسري مثل الكوارث الطبيعية والحروب والهجرات التي كانت تتم على مستوى التاريخ بإحالة قيم الأخر السلوكية إلى مفاهيم من داخل الأنا ومع التاريخ تواصل القيم التي تضيف إلى الإنسانية وتتساقط قيم أخرى ذلك ما كان يحدث طوال التاريخ عندما كان ضغط التحولات يكون بين المجتمعات نتيجة للحروب أو الهجرات فكان التواصل الإنساني يؤدي إلى وجود الهوية الاجتماعية ووجود قيم مشتركة تجمع بين الهويات مثل الاتفاقيات والتعاهدات والتي تذوب مع مرور الزمن لتصبح المجتمعات عبارة عن مجتمع واحد متعدد التحولات وكان ذلك لرؤية الإنسانية من خلال مجتمع محدد وبالتالي عدم وجود مانع ايدولوجي مثل العلم أو الدين. ولكن بعد تحول قيم التدوين الثقافية الغربية والعربية التاريخية إلى هوية ايدولوجية أدي إلى انفصال التحولات الاجتماعية والتدوين بين النخب والمجتمعات بالنسبة للثقافات العربية والغربية. اما بالنسبة للمجتمعات الأخرى لم يكن هنالك رؤية كلية تعبر عن تلك المجتمعات وتجسد القيم الذاتية للمجتمعات ولذلك لجأت المجتمعات إلى التغيير الاعمي وهو وصول الصراع إلى مرحلة قولبة المجتمعات فترفض تلك المجتمعات تغيير هويتها بالكامل. وضغط التحولات الثقافي يقودنا إلى الفرق بين مفهوم التطور ومفهوم التحول الاجتماعي فمفهوم التطور هو مفهوم غربي ايدولوجي تم صياغته أثناء تحولات الثقافة الغربية التي استفادت من لحظة الكمون في القرون الوسطي وانتشارها على مستوى العالم للاستفادة من قيم تلك الثقافات وفق رؤيتها الكلية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرسالات الإرشادية بعيدا عن التدوين العربي (2)

من الانتفاضة إلى الثورة السودانية (1)