حديث الصراحة ومواجهة الذات لكل ابناء الوسط (1)




مدخل: السؤال الذي يؤرق الجميع متي الثورة السودانية؟
إذا نظرنا إلى الواقع السوداني نرى ان كل اشتراطات الثورة متوفرة داخل ذلك الواقع موازية للثورات العربية واكثر منها ورغم ذلك لم تقم الثورة السودانية مثل غيرها، رغم المعروف عن الإنسان السوداني وثورته في اقل الأشياء، وكذلك المعروف عنه تاريخيا وهو ازالته لاستعمارين في الفترة الحديثة احدهم بهبة شعبية تمثلت في الثورة المهدية، وكذلك بعد الاستعمار ازاح حكمين عسكريين في وقت لم تعرف فيه كل الدول المحيطة معني الانتفاضة والتغيير.

فلماذا لم تقم الثورة السودانية إلى الآن؟
ولإجابة ذلك السؤال يجب استيعاب الاختلاف الفكري بين الثورة وبين الانتفاضة أو الهبة الشعبية، فالانتفاضة عبارة عن تغيير شعبي في محاولة اجتماعية لإتاحة الفرصة لنخب أخرى تستطيع ان تستوعب الواقع بصورة أفضل، ففي الانتفاضة تسبق المجتمعات النخب إلى التغيير ويرجع ذلك إلى ان المجتمعات لا تستوعب المفاهيم الا من خلال تجسيداتها القيمية داخل الواقع فالمجتمع يماثل بين الرؤية والمتحدثين بها، لذلك مكن المجتمع السوداني كل الرؤى من ان تحكم من خلال اشخاصها إذا كانت ديمقراطية أو ماركسية أو عروبية أو اسلامية، ورغم ذلك مازال المجتمع السوداني يبحث عن رؤية توحده.
الثورة فإذا عبارة عن تلاقي النخب مع المجتمع، فالمجتمع يعمل على ازاحة المعوقات والنخب تعمل وفق رؤية مسبقة على استيعاب التحولات الاجتماعية بالنسبة للكل المجتمعي وإعادة تعريف الذات الكلية بالنسبة للفرد وبالتالي تتحول إلى قيم سلوكية واخلاقية للمجتمع وتعيد تعريف ذلك المجتمع لنفسه وللاخر.
ومن هذه الزاوية نرى ان المجتمع السوداني ككل في حالة حركة دائبة وتحديدا في الفترة الحديثة من اجل الخروج من مرحلة القبلية إلى المرحلة الثقافية التي يمر بها باعادة تعريف الإنسانية بصورة مختلفة، ولكنه في كل مرة كان يجبر على الرجوع إلى المرحلة القبلية نتيجة لقصور النخب، فمنذ فترة الحكم التركي كان المجتمع السوداني يتوحد كمجتمع واحد في مواجهة الاخر المستعمر ولكن بعد الاستعمار تحول مجتمع التحولات (مجتمع الوسط) إلى مستعمر جديد عندما نفض يده عن المجتمعات التي انتجته ولجا إلى الرؤية العربية لتعريف ذاته التي ابعدته عن مجتمعاته الحقيقية، وأصبحت التحولات تتم بعيدا عن استيعاب حقيقي لها. وعندما ذهبت المجتمعات الحقيقية خلف مجتمع التحولات وجربت كل اشكال الرؤى التي كانت تقول بها نخب الوسط من اجل تعريف الذات الكلية للإنسان السوداني باعتبارها تعريف اخر للإنسانية، ولكنها في الاخر بين حكم ديمقراطي أو عسكري أو غيره وجدت المجتمعات الحقيقية ان تلك الأفكار ذات مغزى واحد تؤدي إلى تعريف إنسان الوسط لنفسه كانسان عربي لا ينتمي إلى المجتمعات السودانية.
فأصبحت الازمة مركبة بالنسبة للمجتمعات الحقيقية فهي لا تستطيع انتاج مجتمع تحولات اخر ولا تجد من مجتمع التحولات بارقة امل رغم تضحياتها الكثيرة التي قدمتها من اجل اعادة استيعابه، فبدات لحظة الانكفاء والرجوع إلى مراحل سابقة للتحولات بانفصال الجنوب، وبذلك الانكفاء تحول مجتمع التحولات (مجتمع الوسط) من مجتمع استيعابي للكل السوداني إلى اخر ضد فقامت ثورات المجتمعات الحقيقية التي اضطرت إلى اعادة تعريف نفسها بمراحل سابقة وهي المرحلة القبلية والعشائرية قامت تلك الثورات ضد مجتمع الوسط ممثل في سلطة الدولة. ولان رؤية إنسان الوسط للإنسانية تماهي بين العروبة والدين والشكل الإنساني فقد بدات الثورة من ابعد مجتمع عن تلك التعريفات التي لم يجد بها أي مدخل لذاته وهو مجتمع الجنوب، ثم انتقلت إلى إنسان النوبة والانقسنا ودارفور وستتواصل إلى كل المجتمعات الحقيقية. فكل فرد وقبيلة لا تنطبق عليه تلك الثلاثية سوف يبدا في البحث عن هويته الحقيقية ولكن للاسف سيرتدون إلى المرحلة القبلية رغم وصول كثير من المجتمعات السودانية إلى المرحلة الثقافية بانتفاء كثير من القيم والعادات القبلية، وكذلك وجود اختلاف بين المرحلة الثقافية والمرحلة القبلية في القيم والسلوك مما ولد الكثير من الاشكالات ولكنه الاضطرار فلا تعريف اخر يمكن ان تلجا له المجتمعات الحقيقية.
فكل المجتمعات السودانية الحقيقية حاولت الدخول إلى داخل تعريف مجتمع التحولات ووعيه بالإنسانية ولكنها في كل مرحلة كانت ترتد على عقيبها إذا كانت في الفترات العسكرية أو الديمقراطية، فأصبحت اخيرا تلك المجتمعات في حالة ثورة مستمرة وتعريف هويتها القبلية كهوية نهائية لها في مقابل تعريف إنسان الوسط.
فالسؤال الحقيقي هو ليس متي يثور المجتمع السوداني ولكن متي يثور مجتمع الوسط؟ متى يحاول ذلك المجتمع اعادة رؤية ذاته كمجتمع تحولات للكل السوداني وان يدرك ان تعريف العروبة الذي استكان عليه يمثل جزء من تعريف ذاته الكلية فهو يمثل جزء من جيناته فقط وليس كلها. متى يري مجتمع الوسط نفسه من خلال السودانوية أي من خلال كل افراد وقبائل السودان ويستوعبهم كافراد كاملين الإنسانية، وان يغير نظرته للإنسانية، فتلك النظرة تقصى كل المجتمعات السودانية، فكل فرد من أبناء المجتمعات الحقيقية ينقصة جزء من ذلك التعريف إذا كانت العروبة أو الدين أو الشكل ويكفي تماما ما تفعله تلك الرؤية ببناتنا.
والى ان يأتي ذلك الوقت ستستمر الثورة في المجتمعات الحقيقية ويمكن ان نصبح غدا لنجد ان جبال النوبة والانقسنا قد انكفأت على نفسها ولحقت بالجنوب وبعدهم الشرق وهكذا. فما يحلم به ابناء الوسط الان من دعواتهم المتكررة إلى الثورة هو حلم بالتغيير كما كان يحدث سابقا متناسين بان الشعب السوداني مر على كل مراحل التغيير من اجل تغيير تلك الرؤية، وهذه هي المحطة الأخيرة اما ان يبدأ التغيير من داخل الوسط أو ان يفتح الباب على مصرعيه على كل الاحتمالات.

إلى الأحزاب السياسية شباب وقيادات:
في أكثر مرحلة حرجة من تاريخ السودان توجد حالة من التبلد واللامبالة السياسية عند القيادات والشباب، فكل الأحزاب المعارضة لازالت تحاول وصف شكل الحكم في السودان بأنه حكم جماعة الإسلام السياسي بكل قيمها ومفاهيمها ولكل من يتحدث عن الإسلام السياسي ويبرئ نفسه نرجو منه النظر إلى الخرطوم مساءا وفي احتفالات راس السنة وغيره واين هي احكام الشريعة التي يتزرع بها الجميع، فقد أصبحت مثل قميص يوسف. فما يحدث حقيقة في السودان هو استهلاك الرؤية العربية التي تضم الإسلام من اجل جماعة بشرية محددة تتمثل في مجتمع الوسط (مجتمع التحولات) وضد كل المجتمعات البشرية الأخرى في السودان. ولكن إذا سلمنا جدلا مع تلك الأحزاب ان الحكم لجماعة الإسلام السياسي فماذا فعلت هي لتخلص كل السودان من ذلك الحكم في مقابل ما دفعته المجتمعات الطرفية، فماذا تعني المظاهرات الدكاكينية التي لم تؤدي إلى قتيل واحد عند الشباب السياسي أو الكتابة على صفحات الفيس، ماذا يعني قبول القيادات السياسية لعفو رئاسي عند رجوعهم من توقيع ميثاق كمبالا مع الجبهة الثورية فهل قبلوا بعمر البشير رئيس حتى يقبلوا بعفوه ام هو قبول الامر الواقع لتخليص الذات وعدم وجود المبادئ، ماذا يعني انتظار تجمع الأحزاب المعارض لتصديق من المؤتمر الوطني لندوة أو مخاطبة سياسية هل اقتنع أولئك السياسين بالمؤتمر الوطني؟ ماذا يعني اكتفاء القيادات السياسية بالشجب والادنة والصريخ لمنعهم من السفر للاجتماع مع الجبهة الثورية في اوروبا، فهل ما نقدمه هو افضل ما يمكن؟ هل ما نقدمه يشفع لنا عند مجتمعاتنا الحقيقية؟ فالنري ماذا قدمت تلك المجتمعات في مقابل ما قدمناه نحن. فالنفكر بطريقة الإنسان في المجتمعات الحقيقية لنقيس فعلنا مقابل فعله، ماذا يعني كل ذلك لشخص تتساقط الدانات والصواريخ والراجمات من فوقه وتتفجر الالغام من تحته، ماذا يعني كل ذلك لشخص اصبح فوجد ان اسرته بين قتيل وجريح وان اهله بين مفقود ومشرد، ماذا يعني لشخص فقد الامان ولا يستطيع ان ينام الا والكلاش تحت راسه، ماذا يعني لشخص تاتيه اوامر ازالة لبيته من جهة لا يعلمها ولجهة لا يدركها، ماذا يعني لشخص لا يجد مصدر له الا ان يسال الناس الحافا، ماذا تعني لشخص تحول إلى متهم وخائن نتيجة لسحنته أو قبيلته.
يعني ذلك التواطؤ بين الجميع، فالحياة تسير طبيعية عند مجتمع التحولات (مجتمع الوسط) بدليل عدم تشرد اسر المعارضين من الوسط في مقابل حياة مبعثرة عند المجتمعات الحقيقية، وبالتالي يعني التواطؤ فقط بين جميع ابناء الوسط في  الحكم والمعارضة في مقابل المجتمعات الحقيقية للسودان، يعني ان هنالك ادوار تترسم بين ابناء الوسط ليؤدي كل منهم دوره في مسرحية سيئة الاخراج. كيف لا ويخرج كل المعارضين من الوسط على الناس بنعومة ظاهرة ويستمر ابناؤهم في الدراسة دون صعوبة بينما الاخرين في الكهوف والغابات ولاجئين مشردين في الاصقاع أو في مخيمات اللاجئين. هذا هو الشكل الذي سيرسم الفعل ورد الفعل غدا إذا واصلنا اللامبالة الظاهرة، وسنقولها مرة أخرى لا نريد للثورة السودانية ان تكون خصما على مجتمع التحولات، لا نريد ان نوضع في خانة واحدة مع من اجرم في حق المجتمعات الحقيقية، وحتى يتم فرز الكيمان علينا ان نتحرك حقيقة ونرفض كل منة من المؤتمر الوطني إذا كان عفو رئاسي أو غيره فالمؤتمر الوطني ورئيسه ليس برئيسنا فلا ننتظر تصديق أو غيره، واذا كان لابد من السجن فاليكن السجن احب الينا مما يدعونا اليه المؤتمر الوطني من ظلم وقتل وتشريد، وعلى السياسين ان يعلموا ان الحياة السياسية تعلو على الحياة الشخصية فلا موت ولا سجن ولا غيره يوقف السياسي عن أداء دوره.
ومعا من اجل وطن يسع الجميع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرسالات الإرشادية بعيدا عن التدوين العربي (2)

من الانتفاضة إلى الثورة السودانية (1)