حديث الصراحة ومواجهة الذات لكل ابناء الوسط (3)




لماذا نقد الديمقراطية؟
لماذا نقد الديمقراطية في الوقت الراهن؟ وهل هو تخزيل للثورة السودانية؟ عند كل المقالات التي أخطها في نقد الديمقراطية أواجه بتلك الأسئلة، وارد بنفس الإجابات أو إجابات مشابهة بان كاتب المقال ضد المؤتمر الوطني وضد الحركة الإسلامية ومع أي تغيير يوقف نزيف الدم الذي لازال يسير في كل أرجاء السودان ولذلك وقعت حتى على تذكرة التحرير عسي ولعل ان توقف نزيف الدم الحاصل، بل بوجودنا داخل الوطن نحاول ان تكون مساهمتنا اكبر ما يمكن. ولكن تلك المقالات للنخب الصاعدة حتى تستطيع مواجهة الرؤيتين العربية والغربية من داخل وعيهم بالسودانوية، أي امكانية أي فرد رؤية ذاته كسوداني قبل ان يكون ديمقراطي أو عربي أو مسلم وان السودانوية هي الأساس للوعي بالإنسانية للسودانيين وليست المفاهيم والقيم العربية أو الغربية. فالرؤية العربية مهما تدثرت بالإسلام هي رؤية مركزها الإنسان العربي فالإنسان الكامل لتلك الرؤية هو الإنسان العربي ويمكن للاخر ان يكون شبيه أي لا يوجد اخر يساوي الإنسان العربي فهو اما اقل عريقا أو دينيا، والرؤية الغربية مهما تدثرت بالعلم وحقوق الإنسان هي رؤية مركزها الإنسان الأوربي والإنسان الكامل هو الإنسان الأوربي ويمكن للآخر ان يحاول التشبه بذلك الإنسان، فإذا كلا الرؤيتين لا تعترفان بالآخر كأخر كامل الإنسانية يختلف فقط نتيجة لاختلاف تحولاته الاجتماعية في ثقافته عن الثقافات الأخرى.

الديمقراطية والواقع السوداني:
لقد ذكرنا سابقا بان الديمقراطية الليبرالية عبارة عن ممارسة سلوكية لمخيلة الإنسان الأوربي عن نفسه، فهي إذا كممارسة لا تكفي بذاتها فهي ليست فلسفة ولكنها اداة لممارسة الفلسفة، وبالتالي عندما تتحول إلى أي مجتمع اخر فهي اما ان تحول ذلك المجتمع إلى مجتمع شبيه بالمجتمع الأوربي إذا لم تجد به قيم مركزية تقاوم تلك الرؤية، أو هي (الديمقراطية) تدعم المخيل الشعبي لرؤية إنسان التحولات لنفسه وللكل الثقافي من حوله. ولذلك عندما نتحول إلى السودان نجد ان الواقع السوداني حاول ايجاد امكانية لاستيعاب ذاته ولذلك بحث في كل الرؤى المقدمة من الاخر إذا كانت رؤى مركزية أو فرعية فذلك الواقع تحدث عن الديمقراطية الليبرالية كرؤية مركزية وتحدث عن الماركسية كرؤية فرعية وكذلك تحدث عن الإسلام كرؤية مركزية للثقافة العربية وتحدث عن العروبة والقومية كرؤية فرعية، ولكن كل ذلك هل قاد إلى ايجاد ثقافة مركزية تقوم على رؤية الإنسان السوداني؟ لم توجد هوية حقيقية للسودانوية نسبة لعدم اعتماد تلك الرؤى على الواقع بل سعت إلى تغريب الواقع بالكامل وذلك باستيراد قيم معلبة وإنزالها إلى ارض الواقع، ولذلك نقول ان أي اعتماد على اليات الرؤية الغربية مثل الديمقراطية الليبرالية مرة أخرى أو الدستور أو غيره كما هي دون تفكيكها لتستوعب الواقع السوداني سيعيد انتاج الازمة ليس الا، فكل تلك الاليات ستعيد تعريف هوية الدولة السودانية وفق المخيل الشعبي لمجتمع التحولات كدولة عربية اسلامية وسنجد مرة أخرى من ينادي بالشريعة العربية (الإسلامية) ومن ينادي بالعلمانية وسندخل إلى النفق المظلم من جديد، كما دخلت مصر الآن وتونس على الخط.

النخب والسير خلف المجتمعات:
كل ما يحدث الآن من قصور في استيعاب الذات واستيعاب الأخر كاخر إنساني كامل مختلف، ناتج من قصور نخبوي في إعادة استيعاب التحولات الاجتماعية، فتلك النخب تسير خلف المجتمعات وتعيد توصيف ما تعتمده المجتمعات فقط دون إدراك الاختلاف في مراحل التحولات، فالنخب الغربية وجدت التوصيف الفردي هو الموجود داخل الثقافة الغربية فاعتمدته كقيمة احادية دون ان تدري ان تلك الفردية لا تعني انقطاع الفرد عن كليته الثقافية ولكنها اقامت التدوين على ذلك الأساس فقط دون استيعاب للكل المجتمعي، فالنخب الغربية لا تستطيع ان تتحدث عن مجتمع حقيقي للفرد خلاف مجتمع الدولة، وهي لا تستطيع ان تستوعب الروابط الجينية وطريقة عملها ومرحلة التحولات واختلافها بين المجتمعات، وكذلك لا تستطيع ان ترى مجتمع التحولات الغربي واثره في قيادة المجتمع الكلي. وهو ايضا ما فعلته النخب العربية عندما وجدت ان المجتمع قد استوعب الرسالة المحمدية كرسالة قيمية وليست كما هي عبارة عن رسالة ارشادية، فسارت خلف المجتمع وفق تلك الرؤية التي قامت عليها باعتماد قيم عربية تاريخية باعتبارها قيم خلاص انساني اتت من الإله. وكثيرا ما اقولها ان الكل قد قام بدوره كاملا عدا النخب فالإله امد المجتمعات برسالات إرشادية تكون دافع للنخب للاستيعاب، والمجتمعات ساهمت في الحفاظ على مجتمعاتها عندما كانت الرؤية تؤدي إلى ابادة تلك المجتمعات من خلال الحروب التي لازالت هي السمة الوحيدة في عدم استيعاب الاخر وإقصاءه تماما من الحياة. ويكفي امداد الإله لثلاث رسالات من اجل استيعاب التحولات الاجتماعية من القبلية والعشائرية إلى المرحلة الثقافية. وما نجده من المجتمع السوداني كمثال في الصبر على النخب والتجريب عليه يكفي عن كل دليل فقد صبر المجتمع السوداني على كل الرؤى المقدمة اليه من النخب وعندما وضح فشلها كلها لم تسعي النخب إلى إعادة الاستيعاب ولكنها لازالت تواصل في مسلسل تجريب المجرب وهي تدعو إلى الديمقراطية الليبرالية وتقول لماذا لا يثور الشعب السوداني من اجل رؤيتها، وتتعامي عن التجربة الديمقراطية الأخيرة التي قال فيها نائب وليس فرد عادي من داخل البرلمان بشجاعة (الديمقراطية دي لو جاء كلب وشالها ما في زول بقول ليو جر). ولازال هنالك من النخب من يأتي ليقول بان الديمقراطية التي يسعي اليها ليست كما الديمقراطيات السابقة ولكنها تلك التي افادت دول العالم الأول، وياتي اخر ليقول ايضا ان الإسلام والشريعة التي يدعو لها ليست كما طبق من قبل ولكنه الذي اوجد الحضارة العربية في زمان سابق!!

خاتمة:
ماذا نريد من الشباب الثوري والنخب الصاعدة:
نريد من ذلك الشباب عدم اتباع خطوات النخب السابقة التي لم تؤدي الا إلى تدمير السودان، وان تستوعب تلك النخب ان تطبيق القيم كما هي إذا جاءت من الثقافة العربية أو الغربية لا تؤدي الا إلى تازيم الواقع السوداني، وان مفاهيم مثل الإسلام هو الحل أو الشريعة الإسلامية أو الديمقراطية هي الحل تلك المفاهيم هي التي تزيد من الازمة ولا تؤدي إلى حلول حقيقية. ويجب ان نبدا بتغيير حقيقي من داخلنا في صالح السودانوية التي تعني ان كل إنسان سوداني هو إنسان كامل الإنسانية إذا كان مسلم أو مسيحي أو يهودي أو ينتمي إلى ديانة أخرى أو لا ينتمي إلى أي دين، علينا ان نستوعب ذلك الشخص كانسان إذا كان من داخل مجتمع التحولات أو من المجتمعات الحقيقية الأخرى، وهنا نكون عرفنا ذاتنا الكلية وكذلك عرفنا الاخر المختلف عننا فكل سوداني هو بمثابة ذات كلية لاي فرد واي اخر غير سوداني هو اخر مختلف إذا كان من تشاد أو مصر أو السعودية أو غيرها من الدولة ويجمعنا مع تلك الدول مصلحة الذات الكلية دون قداسة لرؤية ما. وان تستوعب تلك النخب ان تعريف الدولة يرجع إلى واقعها وليست إلى قيم تأتي لها من خارجها، فتعريف الدولة يرجع إلى تعريف افرادها وقبائلها وعاداتها وتقاليدها حتى لا نفرض على تلك المجتمعات قيم لا تمت اليها بصلة.
وثانيا: عندما تستفيد النخب الصاعدة من تحولات الثقافات الأخرى يجب عليها ان لا تقرا تلك الرؤى كمفاهيم نهائية إذا اتت باسم الإله أو باسم العلم، فكل القيم (كل) يمكن إرجاعها إلى مرحلة تحولات ما مرت بها الثقافة المعنية، وبالتالي يمكننا الفصل بين المفاهيم والقيم والاستفادة من المفاهيم إذا كانت ديمقراطية أو مفهوم الرسالة الإرشادية وذلك بأخذ المغزى من تلك المفاهيم وإعادة قراءة الواقع وفق تلك الخلاصة. أي ان حديثنا عن الديمقراطية لا يعني اننا نتحدث عن الديمقراطية الليبرالية وحديثنا عن الرسالة المحمدية لا يعني الحديث عن الإسلام وفق الرؤية العربية وهكذا.
وأخيرا على نخب الوسط إرشاد مجتمع التحولات (مجتمع الوسط) إلى انه عبارة عن خلاصة للتحولات الاجتماعية ونواة للثقافة السودانية وعدم مجاراة المجتمع في فهم النقاء العرقي حتى نعيد التوازن للثقافة السودانية.
ومعا من اجل وطن يسع الجميع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرسالات الإرشادية بعيدا عن التدوين العربي (2)

من الانتفاضة إلى الثورة السودانية (1)