مفهومي الإسلام وأهل الكتاب في الرسالة المحمدية (1)




خارج النص:
نسبة للسياسة التحريرية للصحف الالكترونية التي لا تستطيع نشر كل المقالات التي اكتبها، ونسبة لأهمية المقالات التي لا تنشر في توضيح الفكرة الكلية للإرشاد الإلهي، لأهمية تلك المقالات فسأحول كل مقال لا تستطيع الصحف نشره إلى المدونة الخاصة (مدونة الثقافة السودانية وأزمة التدوين) فعلي من يتابع هذه المقالات ان يراجع تلك المدونة مرة بعد أخرى.

الإرشاد والنخب:
عندما نتحدث عن الإرشاد الإلهي يجب ان نفرق بين استيعاب الإرشاد ومحاكمة الإرشاد، فمحاكمة الإرشاد الإلهي تقود إلى أسئلة من شاكلة هل أدي ذلك الإرشاد دوره وهل الطريقة التي أتي بها الإرشاد كانت من أفضل الطرق أم كانت هنالك طرق أخرى يمكن ان تفيد الإنسانية أكثر؟ وهي أسئلة يطرحها كل من ينظر إلى الواقع الآني والتاريخي ولا يجد اثر كبير للإرشاد داخل الحياة الإنسانية التي استمرت على ظلمها وظلامها في كثير من مراحلها التاريخية، وبالتأكيد ليست هذه طريقة للنظر إلى الإرشاد عموما إذا كان الهي أو إرشاد إنساني بين ذات وأخر، فالإرشاد هو دعوة لتوسيع الأفق ومزيد من الاستيعاب لما هو موجود أصلا، ويرجع تقبل الإرشاد إلى مصدره وإيمانك بذلك المصدر، فلا تستطيع ان تحاكم من يرشدك ولكنك في الحقيقة تحاكم إيمانك بذلك الشخص الذي يرشدك أو الإله حين ترفض أو تقبل ذلك الإرشاد.
وعندما نقتصر الموضوع على الإله نجد ان المحاكمة هي طريق خاطئ تماما وهي نتيجة قصور استيعاب في الأساس، فالإرشاد الإلهي في كل الرسالات جاء مخاطبا الوعي الجيني والوعي المجتمعي والرؤية الكلية وكذلك جاء لكل المجتمع فخاطب المجتمعات الأساسية وخاطب كذلك مجتمعات التحولات، ولذلك عندما نحاول إيجاد استيعاب كلي للإرشاد نصطدم بكل تلك المخاطبات وبالتالي احتاج الإرشاد دوما إلى إعادة استيعاب من قبل النخب، وقصور الاستيعاب ذلك هو الذي قاد كثيرين الى مغادرة الإرشاد المحمدي نتيجة لتلك المحاكمة إذا كانت مغادرة نهائية أو تجميد فقط لإيمانهم.

الرسالة الإلهية بين التفسير والاستيعاب:
سنركز على هذه الجزئية في الفترة القادمة مرارا وتحديدا في المقالات التي تأتي بها آيات من الرسالة المحمدية، فقد فرض الوعي العربي نفسه وصيا على الرسالة الإلهية وأصبح كل من يأتي بآيات داخل مقاله أو بحثه يقارن بما يقوله الفكر العربي باعتباره ممثل للإله وتحديدا في كلياته وهي نظرته للإله الفاعل أو الإله السيد وتلبيس ذلك الإله القيم العربية باعتبارها قيم إلهية، واعتبار كل آخر عبارة عن آخر ضد. ولذلك يجب ان أؤكد مرارا ان رؤيتي في قراءة الرسالة الإلهية المحمدية تختلف عن ما يقول به الفكر العربي وتتقاطع معه تماما، وبذلك يصبح تناولي للآيات الواردة في الإرشاد الإلهي لا تستند إلى ما يقوله الفكر العربي عن تلك الآيات.
ويجب ان نستحضر ان الرؤية العربية عبارة عن فلسفة لحياة الإنسان العربي حولتها النخب العربية بعد صياغتها لغويا إلى فلسفة أوجدت الإله كما يعتبره الإنسان العربي في وعيه التاريخي، ولذلك اتصف ذلك الإله بكل القيم العربية بعد ان جردتها النخب من صفتها العربية  وتم إلحاقها بالإله. فتلك الرؤية اذا في ظاهرها تتحدث عن الإله وعن رسالته ولكنها في جوهرها تبني من الوعي المجتمعي للإنسان العربي رؤية كلية وجود الإله بها يقره ذلك الوعي وليس الإرشاد الذي جاءت به الرسالة الإلهية.

الرسالة الإلهية بين النص والمعني:
أول ما يقابلنا هو ماهية الرسالة؟ والرسالة في رؤيتنا هي معني يرتبط بالإنسانية وتحولاتها الاجتماعية وعلاقته الإنسانية مع بعضها البعض. فهل الرسالة هي كلام الله؟ قطعا لا، فالإله في رؤيتنا يتعالي على القيم الإنسانية ليس لعدم مقدرة منه ولكنه فوق كل ما هو إنساني وهو يختلف تماما عن الإنسانية. فكلام الله يعني ان الإله متعدد الأفعال متكلم في وقت وساكت في أخرى ومعاقب في ثالثة وغيرها من الأفعال الجزئية التي تأتي بها الإنسانية، اما الإله المتعالي في رؤيتنا فهو ذو فعل واحد كلي لا يتجزءا اما الرسالة فهي إرشاد من داخل الإنسانية ولصالح الإنسانية إذا رأت ان تستوعب ذلك الإرشاد فلها الحرية داخل نطاقها المحدد الذي يختلف عن النطاق الإلهي.
ويظل السؤال يتردد لمزيد من الشرح، ما هي الرسالة؟ الرسالة عبارة عن آيات أي علامات إرشادية من الإله للإنسانية لاستيعاب معني الإنسانية وعلاقتها مع بعضها البعض. فالرسالة إذا جاء في داخلها بعض قيم مجتمع الرسالة في العبادات والمعاملات، إلا انها سعت مع ذلك المجتمع ومع غيره إلى استيعاب ظاهرة التحولات واختلاف المعني الإنساني الذي يتجلي في شكل سلوكيات مغايرة عن غيرها في المراحل التاريخية.

ويظل السؤال مستمرا ولكن من زاوية أخرى وهي هل الرسالة الإرشادية والمصحف العثماني شيء واحد؟ ونجيب بأنه اذا قال قائل بان المصحف العثماني عبارة عن تجميع إنساني للإرشاد الإلهي يصح ذلك، ولكن اذا قال قائل ان المصحف العثماني هو كلام الله هنا يتعالي الإله عن التصرف مثل البشر (أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)). فالرسالة الإلهية جاءت بآيات وإشارات وتجميعها في قراطيس لا يعني التوصل إلى تلك الآيات والإشارات بل هو تجميع إنساني لا دلالة له اذا لم يتوصل إلى تلك الإشارات والعلامات والآيات داخل ذلك الإرشاد.

والسؤال نفسه مع بعض الاختلاف، ما علاقة الإرشاد الإلهي بالمصحف العثماني؟ ان الإرشاد الإلهي عبارة عن آيات أي علامات وإشارات تساعد الإنسانية على استيعاب ذاتها وليست بديل عن الرؤية الإنسانية، وتلك الآيات أو العلامات عبارة عن نقاط لماهية الإنسانية تحتاج الى نخب لاستيعابها وربطها مع بعضها البعض. اذا ليس قراءة المصحف العثماني او حتى حفظه يمثل بديل عن الرؤية الكلية ولكن الإرشاد يساهم مع الإنسانية للوصول إلى تلك الرؤية التي تتفق مع حقائق الحياة الإنسانية في الاختلاف والتكامل. فإذا يمكن لأحد ان يحفظ المصحف العثماني دون ان يصل إلى استيعاب الآيات والإشارات الواردة في الرسالة عن وحدة واختلاف وتكامل الإنسانية، بل يستوعبها بناء على وعيه التاريخي بطريقة تخالف كل ذلك. ولكن يمكن لأحد ان لا يطلع على المصحف العثماني ويصل إلى حقائق الحياة الإنسانية وذلك بالنظر في الحياة والكون.

بين التفسير والاستيعاب:
مما سبق يتضح لنا ان من يقول بالتفسير يعتمد رؤية الفكر العربي التي صاغها من داخل وعيه التاريخي وعلاقاته الاجتماعية ورؤيته للإنسانية واستيعابه لمفهوم الإله الفاعل أو الإله السيد. فتفسير الرسالة الإلهية المحمدية يقوم على رؤية سابقة للرسالة ووعي متكامل عند الإنسان العربي لم تسعي النخب سوى إلى تدوينه فقط في شكل مفاهيم.
فإذا ليس هنالك رؤية كلية تقدمها الرسالات الإلهية ولكنها آيات وإشارات، وما يقوم به كل فرد حتى نحن هو استيعاب تلك الآيات أو الإشارات داخل رؤيته الكلية. فمن يتحدث انه اقرب إلى الله في استيعابه للرسالة او انه (أكثر إسلامية) في الحقيقة هو يتحدث عن قربه من الرؤية العربية التي قدمتها تلك النخب ولا يتحدث عن الإرشاد الإلهي. فالرسالة في سعيها الحقيقي لا تقربك من الله بقدر ما تقربك من الإنسانية لإدراك معني الاختلاف والتكامل الإنساني.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرسالات الإرشادية بعيدا عن التدوين العربي (2)

من الانتفاضة إلى الثورة السودانية (1)