الرسالة الإرشادية المحمدية والوعي المجتمعي القبلي


من اجل تدوين سوداني:
ان الوعي المجتمعي القبلي والعشائري يقوم على التماهي بين التميز في استيعاب الواقع وبين التميز الجيني داخل المجتمع المعني، فالفرد الذي يتميز في الاستيعاب يجب شرطا ان يكون متميزا جينيا. ولذلك تم اعتبار ان الرسالة جاءت للرسول لانه متميز جينيا (وهو ما نراه في الفكر العربي (الإسلامي) إلى الان، في انسحاب تميز الرسالة الإلهية إلى الرسول ومجتمعه باعتبار التميز الجيني)، ولذلك سعي الوعي المجتمعي إلى التماهي مع الرسول والرسالة باعتبار ان تميز الرسول الجيني يعني تميز مجتمعه بالتالي، ولكن بعد رفض الرسالة لذلك التماهي مع ذلك الوعي، واخبرهم الرسول بان الرسالة عبارة عن ارشاد ولم يات ليصبح ملك عليهم كان تساؤلهم لماذا لم يات الإرشاد إلى احد الكبراء حتى يجنب المجتمع الاستصدام ببعضه (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31))، ولم يستوعب ذلك الوعي ان الإرشاد يحمل في داخله تجاوز للترميز القبلي وبالتالي تجاوز لبعض السلوكيات والاستيعاب، وسعي ذلك الوعي إلى التماهي مع الرسالة كما هو ولكن تقاطع ترميز ذلك الوعي مع الرسالة أدي إلى رفض ذلك الوعي من قبل الرسالة، فالمجتمع العربي في ذلك الوقت يمر بمرحلة تحولات من القبلية والعشائرية إلى الثقافية أو الامة العربية، فتحتاج مرحلة الاستيعاب من القبلية إلى الامة العربية إلى ترميز مغاير للترميز القبلي والعشائري وذلك لاختلاف الذات الكلية أو المجتمعية للفرد بين القبلية وبين الثقافية وكذلك اختلاف الاخر الإنساني من القبلي والعشائري إلى الامم الأخرى أو الثقافات الأخرى بالإضافة إلى ازالة ما علق بمفهوم الإله المتعالي من اعادة استيعاب داخل الترميز القبلي.
لقد مارس الوعي المجتمعي القبلي والعشائري طريقته في الاستيعاب حتى بعد الرسالة وتعتمد تلك الطريقة على ان التميز في الاستيعاب يرتبط مع التميز في الجين وبالتالي تقسيم القومية الواحدة التي تتكون من عدة مجتمعات التي جاءت في الرسالة الإرشادية إلى قوميات مختلفة على اساس جيني وليس على اساس سلوكي الذي جاءت به الرسالة الإرشادية. وبالتالي تعمل النخب على اعادة المجتمعات إلى تحولات سابقة، فبدل ان يتحول المجتمع العربي إلى الامة تمت محاولة ارجاع المجتمعات إلى القبلية وقيمها، دون استيعاب لضيق تلك القيم لمراحل التحولات اللاحقة.
ولان الرسالة جاءت مستوعبة لجزء من قيم المجتمع المكي أو قيم نخبه فقد تم اعادة استيعاب كل الرسالة من جانب النخب العربية داخل تلك القيم وبالتالي اصبح المجتمع المكي صاحب امتياز جيني بالنسبة للرسالة وهذا ما نجده تاريخيا في سقيفة بني ساعدة، فقد اعتمد المجتمع المكي على التمايز الجيني باعتبار انتمائهم الجيني للرسول، ورغم الإرشاد الذي اتي بان ليس هنالك امتياز لاحد بالرسالة ولا حتى الرسول (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144))، وكذلك ليس هنالك امتياز لاحد على الرسول، وقد اخذ الإله ابناء الرسول دون البنات كدليل واية في سبيل الإرشاد نسبة لاعتماد المجتمع المكي لسلطان المجتمع الابوي (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40))، ولكن ذلك لم يثني الوعي المجتمعي المكي عن السعي لاعادة الترميز القبلي والعشائري على الرسالة وذلك في اعادة استيعاب ذلك الترميز للتمييز بينها وبين المجتمعات الأخرى وتحديدا مجتمع المدينة باعتباره مقارب للمجتمع المكي في التحولات.
عند فرض الامر الواقع بالنسبة للمجتمعات الأخرى من جانب المجتمع المكي وتماهي النخب القريشة مع ذلك الوعي في تضامنها ضد المجتمعات الأخرى، وعند قصور النخب العربية عن استيعاب الإرشاد في الانتقال من المجتمع القبلي إلى مجتمع الامة، رجع المجتمع المكي إلى تدوينه ما قبل الرسالة واعتماده التمايز القبلي باعتباره تمايز انساني، ولذلك كان تقسيم المجتمع المكي الذي حولته الرسالة (كمجتمع تحولات) إلى مجتمع واحد تم تقسيمه وفق ذلك الوعي إلى مجتمعات متمايزة عن بعضها البعض تحديدا بعد فترة الصحابيين ابو بكر وعمر التي كانت فترة تركيز للوعي المكي في استبعاد كل القبائل الأخرى نتيجة لتمييز المجتمع المكي لذاته، ولذلك ظهر ذلك الوعي بصورة واضحة في فترة الخليفة الثالث الذي عمل على استيعاب التمايز داخل عشيرته وتوليهم زمام الامر نتيجة تماهي تميز الاستيعاب مع تميز القيادة، فكانت مقولة الخليفة الثالث المشهورة نتيجة لتمكن الوعي القبلي من تلك المرحلة ومحاولة فرض ذلك الوعي على مرحلة تحولات مختلفة (ان الله يزرع بالسلطان ما لا يزرع بالقران) نتيجة لفرض الوعي القبلي على الكل المجتمعي إذا كان الكل العربي أو مجتمع التحولات (المجتمع المكي). ولا يمر على احد خطا تلك المقولة ولا تماهيها مع الوعي القبلي، وقد قالتها من قبله عشائر مكة في الاية السابقة الذكر (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31))، وخطا ذلك الرأي قبل الرجوع إلى الإرشاد في الرسالة يرجع إلى ان الاستيعاب للمفهوم الإلهي يعني أولا ان لا احد ادري بشئون الكون من الإله ولذلك فان مجيء الرسالات الإرشادية كإرشاد من قبل افراد عاديين وعدم تنزلها عن طريق كبراء القوم هو الافضل للبشرية وليس مقولة عثمان بن عفان. وكانت تلك المقولة عند تحول الرسالة الإرشادية إلى رسالة قيمية لا تستوعب الواقع ولم يكن امام الوعي القبلي الا فرض رؤيته تلك عن طريق القوة نسبة لعدم جدوى الإرشاد في ظل رجوع الإرشاد إلى مراحلة سابقة للتحولات.
ان قصور النخب عن أداء واجبها واستيعاب مجتمعاتها وتحولاتهم نجده قد باعد بين النخب وبين مراحل التحولات واستيعاب الرسالات الإرشادية وتحديدا النخب العربية التي هي موضع حديثنا، فنجدها بعد الرسالة قد انزوت بعيدا عن استيعاب التحولات ولجات إلى ترميز كليات الرسالة داخل قيم واشخاص زمن الرسالة، فكانت النخب تسير عكس اتجاه التحولات ولجات إلى الوعي القبلي البدوي وقيمه فتم تعلية قيمة الحفظ (التي استمرت إلى الان)، واخذت تحتفل بنقاشات تلهيها عن رؤية الواقع حتى أصبحت خارج التاريخ الحقيقي لامتها، ولذلك نري في التاريخ العربي بعد الرسالة من الاحداث ما كان يتوجب توقف النخب ولكن عند سعينا لرؤية دور النخب نجده في مواقع أخرى تماما لا تمت إلى الواقع بصلة، ومن الاحداث التاريخية مثلا اجتماع السقيفة التي كانت حيلة للوعي القبلي لاعادة الامر إلى قريش، ثم تركيز الامر للكل المجتمعي في زمن الخليفة الثالث داخل البيت الاموى ثم الحرب بين معاوية وعلي، واستيلاء الامويين على الحكم وتحويله إلى حكم ملكي وكذلك استباحة الحرم النبوي وضرب الكعبة بالمنجنيق مرتين في زمن الامويين، وغيرها الكثير من الاحداث فنبحث عن دور للنخب في كل ذلك فلا نجده ولكن نجد اثر النخب في محنة ابن حنبل مثلا!.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرسالات الإرشادية بعيدا عن التدوين العربي (2)

من الانتفاضة إلى الثورة السودانية (1)