حول مفهوم الدين والعلماء في الرسالة العربية المحمدية (4)




من منظور فلسفة التحولات الاجتماعية
حول مفهوم الدين في فسلفة التحولات الاجتماعية:
من خلال المنظور الثلاثي لفلسفة التحولات الاجتماعية نجد ان الدين والذي يمثل الرؤية الإلهية للمجتمعات الإنسانية في التدوين العربي قد اصبح يتمثل في طقوس وقيم سلوكية محددة وهي عبارة عن قيم خلاص انساني جاءت منزلة من الإله حسب الرؤية العربية. وقد اثرت مرحلة التحولات التي كان يمر بها المجتمع العربي من القبلية إلى الثقافية في كيفية استيعاب الرسالة داخل المجتمع، ولذلك نري التدوين قد ركز على علاقة الرجل بالمراة التي كانت تمثل هاجس بالنسبة للمجتمع القبلي وتحديدا العلاقة الاسرية ثم كيفية استيعاب الإله أو علاقة الفرد بالإله، ومن هنا جاء وصف علماء الدين من جانب الاخرين بعلماء الحيض والنفاس نسبة لتحديدهم لتلك العلاقة وفق قيم وعادات مجتمع محدد ولذلك كانت واضحة المعالم عكس المجالات الأخرى بالنسبة للمجتمعات الثقافية التي تختلف فيها عن المجتمعات القبلية مثل السياسية والاقتصادية والذات المجتمعية وغيره.
اما إذا اردنا ان نري كيف تكونت فكرة الاديان في العقل الإنساني ومن المقالات السابقة وجدنا ان الفكرة جاءت مع الرسالات الإلهية اما الوعي بها فقد كان سابق لتلك الرسالات. فقد كانت فكرة القوة الفاعلة المتجاوزة للمقدرة الإنسانية وكذلك فكرة الاخر الضد عند الإنسان الأول والذي ربطها بالطبيعة نسبة لقصور استيعابه لها. فاتت الرسالات لتنير للإنسان الطريق وسارت مع التحولات الاجتماعية للإنسانية حتى تكمل القصور الناتج من عدم استيعاب مغزى الحياة، فالإنسانية كانت تتخبط في كيفية استيعاب ذاتها وعلاقتها بالطبيعة ولذلك شكل مجيء الرسالات الإلهية نافذة للإنسانية لتكمل بها ذلك القصور، ولكن بدل ان تكون تلك الرسالات مرشدة للتحولات الاجتماعية أصبحت معيقة لتلك التحولات نتيجة لترميز المجتمعات والنخب لها داخل مرحلة تاريخية محددة، مما تطلب من الإله ان يأتي برسالات أخرى لتجاوز الترميز الذي تم لرسالته السابقة. ولا يعني الاتيان برسالة أخرى قصور للرسالة السابقة ولكن نتج القصور من الاستيعاب المجتمعي لها.
فإذا انقسم مفهوم الدين بعد مجيء الرسالات الإرشادية إلى اثنين فهنالك الرسالات الإلهية التي جاءت لتوضيح مغزى الحياة الإنسانية وهنالك الاستيعاب الإنساني الذي احتوى تلك الرسالات داخل رموز محددة وبالتالي وقفت كل الرسالات عن مسايرة التحولات وتوضيحها للذات الإنسانية ووقفت عند لحظة نزول الرسالة فقط.
وفكرة الاديان كعلاقة إنسانية إنسانية أو كعلاقة إنسانية إلهية جاءت مع الرسالات الإلهية ولكن معني الاديان جاء من داخل الوعي المجتمعي، ونسبة للترميز المجتمعي والتدوين النخبوي لذلك الترميز أصبحت الاديان عبارة عن طقوس سلوكية محددة تعبر عن ايمان الفرد بالإله الفاعل فقط وليس ايمان الفرد الفاعل في الحياة بالإله المتعالي. فلا تدفع الاديان (حسب الوعي المجتمعي لتلك الأديان) الفرد إلى الفعل الحياتي ولكنها تدفعه إلى قبول ذلك الفعل باعتباره قدري لا يحتوي على مسببات إنسانية وتحديدا الأفعال التي لا يستوعبها الوعي المجتمعي.
وعندما نتحدث عن الاديان فنحن نعني كل الرسالات الإلهية، فهي قد تم استيعابها داخل رموز مجتمعية محددة، من الرسالات التاريخية القديمة إلى الرسالة العربية، ومن هنا نجد في الرسالة العربية ان الدين قد تجسد داخل رموز مجتمعية محددة في علاقة الفرد بالإله أو علاقة الفرد ليس بمجتمعه الجيني ولكن بالمجتمع التخيلي (المجتمع المسلم). وتم فرض قيم مجتمع الرسالة على ذلك المجتمع التخيلي باعتبارها قيم خلاص انساني منزلة من الإله بالنسبة لكل المجتمعات.
ومن هنا اصبح الدين أو مغزى الحياة الإنسانية تتمثل في طقوس سلوكية إذا كان في العبادات أو المعاملات، ولان المجتمعات تستوعب المعني في شكله الرمزي السلوكي أو القيمي لذلك أصبحت علاقة الفرد بالإله هي علاقة تعتمد في الأساس على الطقوس السلوكية وليس معناها في الحياة، ولان الإله يمثل الغائب الحاضر في ذلك التدوين فقد اصبح كل فرد يري الإله من خلال منظوره الجزئي وليس من خلال استيعاب كلي لعلاقة الفرد بالمجتمع والاخر والإله، فكان التبرير حاضر لكل قصور في تلك العلاقة بين الإله والفرد من جانب والمجتمع والاخر.

علماء الدين في فلسفة التحولات الاجتماعية:
ان مفهوم علماء الدين هو تحوير لمفهوم النخب والذي هو عبارة عن ظاهرة تنتجها المجتمعات في سبيل استيعاب التحولات والاختلافات الإنسانية، ونتيجة لتدوين الدين داخل طقوس سلوكية وقيم خلاص انساني اصبح علماء الدين في كل المجتمعات يقيسون واقعهم وفق تلك القيم والطقوس وبالتالي محاولة انتاج الواقع وفق قيم تاريخية سابقة للتحولات الاجتماعية.
فبعد تدوين الرؤية المجتمعية للرسالة العربية كرسالة إلهية والتي اعتمدت على الوعي التاريخي بالإله كاله فاعل وبالتالي تم تغييب كيفية استيعاب الذات المجتمعية أو الاخر الضد أو كيفية استيعاب الطبيعة، أي كيفية استيعاب الكلية أو مغزى الحياة التي جاءت الرسالات من اجله، فكان التدوين للقيم المجتمعية كقيم نهائية لا تخضع لكيفية محددة أو معني فهي قيم منزلة من السماء حسب الاستيعاب المجتمعي والتدوين النخبوي وعلى الإنسانية الايمان بتلك القيم التي جاءت من الإله السيد أو الإله الفاعل دون أسئلة. فتلك القيم كما هي توصلك إلى الخلاص الإنساني (واذا لم توصلك فان القصور من الإنسان والشيطان)، فتم تدوين قيم مجتمع التحولات العربي (المجتمع المكي) كما هي باعتبارها قيم منزلة من السماء إذا كان في العبادات أو المعاملات (كما راينا سابقا) دون ان يكون هنالك رابط محدد يؤدي إلى مغزى تلك القيم وعلاقتها ككلية.
وتم كذلك في موضوع الاختلاف الإنساني وكيفية النظر إلى الاخر في التدوين العربي للرسالة (ولان الوعي الجيني لا يستوعب الاخر الا كاخر ضد)، فقد تم ترميز ذلك الاخر الضد داخل الاخر غير الجيني لمجتمع الرسالة العربي وكان يتمثل في المجتمع اليهودي، فقد صب الوعي المجتمعي وبعد ذلك التدوين النخبوي كل صفات الاخر الضد على اليهود. ولكن بعد خروج الرسالة من الجزيرة العربية وجدت ان الاخر لا يتمثل في اليهود فقط، ورغم محاولة النخب إلى اعادة فتح الرسالة للاستيعاب ولكن الرسالة كانت قد انتهت عند ذلك الوعي المجتمعي وعند ذلك التدوين وبالتالي استمر اليهود هم الضد الأول ثم بعد ذلك تأتي البقية باعتبارهم ضد اقل رغم مساواة مفهوم الكفر الذي قام عليه مفهوم الاخر لليهود بغيرهم ولكن الوعي المجتمعي لا يعرف عند لحظة الرسالة غير مساواة الكفر باليهود وهو الوعي الذي يرمز المعاني داخل قيم واشخاص محددين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرسالات الإرشادية بعيدا عن التدوين العربي (2)

من الانتفاضة إلى الثورة السودانية (1)