إلى الشيخ محمد حسن




مدخل:
الشيخ محمد حسن (الشايقي) هو من الشيوخ المحبوبين ومعروف بشعبيته في السودان ويرجع ذلك لطريقته الجميلة في الكلام وكذلك استخدامه للغة العامية في البرامج الدينية التي يستضاف بها.
الافتاء بين الدين والراي:
ان الفتوى التي يقول بها الفقهاء هي عبارة عن اراء لأولئك الفقهاء ترجع إلى استيعابهم للرسالة الإلهية، ورغم محاولة الفقهاء على القول بان هنالك امور قطعية أو ثوابت دينية تتمثل في قيم اجتماعية تاسس لمجتمع فاضل، الا ان كل ذلك محض اراء ترجع إلى الكيفية التي تم بها استيعاب الرسالة الإلهية وتحديدا الرسالة المحمدية، وقد ناقشنا هذا الموضوع في أكثر من مقال ولذلك ليس هذا هو المهم، ولكن رغم راينا السابق فنحن نعرف ايضا بان الإنسان العادي يميل إلى الفقيه الذي يختار بالنيابة عنه، حتى يتجاوز رهق معاناة الاختيار. ولذلك على الفقيه الذي يحب ان يؤدي ذلك الدور أي ان يختار بالنيابة عن الإنسان العادي عليه (الفقيه) ان يضع نفسه مكان ذلك الفرد وفي احواله حتى يستطيع ان يفتي من خلال معرفة كلية بظرف الزمان والمكان المحيط بالفرد طالب الافتاء، حتى لا يرمى براي يمكن ان يسبب من الدمار أكثر مما يسبب في نفع ذلك الإنسان كما سنري لاحقا.
قبل فترة استمعت إلى حلقة مع الشيخ محمد حسن باحدى القنوات الفضائية وما لفت نظري في تلك الحلقة هي إجابة الشيخ على احد السائلين عندما ساله عن رايه فيما يفعل في مشكلته، وقد كانت تلك المشكلة تتمثل في انه قد قام بتزويج بنت اخته عندما كانت بكفالته غصب عنها، فرد الشيخ بكل برود ان ذلك الزواج يعتبر باطل. إلى هنا انتهى الرد ولم يسال الشيخ عن مدة الزواج وهل هنالك اطفال ام لا وهل اقتنعت تلك البنت بعد الزواج ام لا. ومن المعروف حسب القاعدة الفقهية ان كل ما بني على باطل فهو باطل أي إذا كان هنالك اطفال فهم ابناء زنا (اولاد حرام) وكل الحقوق والواجبات التي ترتبت على ذلك الزواج تعتبر باطلة، وهنا فلينظر الشيخ ماذا فعل بتلك الاسرة التي اقتنعت فيها البنت بالامر الواقع واستقرت، فاتي بكل برود حاملا مقياس القيم التي يسميها دينية ليحول ذلك الاستقرار إلى دمار، وللاسف كل الفقهاء لا ينظرون إلى العلاقات الاجتماعية كحياة نابضة ولكن يرونها كبنيان من الطوب يمكن هدمه وإعادة بنائه كما يشاء الفقيه، فذلك ليس راي الدين فالدين يقوم على اصلاح ما هو قائم ولا يهدم ويعيد البناء، وللاسف لم يفكر الشيخ محمد حسن الا بتطبيق قاعدته الفقهية الميتة ولم يري تلك البنت التي اعتبرها زانية أو إذا كان هنالك اطفال فهم ابناء زنا ولا إلى هدم ذلك الاستقرار بل أكثر من ذلك إلى اهل الزوجة والزوج وغيرها. فكان على الشيخ ان ينظر إلى كل هؤلاء قبل ان يطلق رايه في الهواء.
فالقصور إذا سرنا مع الشيخ في استيعابه للدين كقيم جامدة نجده في النظام الاجتماعي السائد فكان على الشيخ موائمة ذلك المجتمع مع رؤيته فكلنا يعلم ان المجتمعات السودانية وتحديدا الريفية هي مجتمعات ابوية  بامتياز يوجد بها سلطة شبه مطلقة للاب، فكان عليه ان يركز على تجاوز السلطة الابوية في الزواج وان يكون اخذ راي البنت مباشرة من قبل الماذون هو قاعدة لاتمام الزواج، أي ان لا يتم الاكتفاء براي الوكيل الذي تعارفنا عليه في السودان، وذلك الرأي أو ان شئت تلك القاعدة الفقهية تكون لكل الحالات القادمة وليس للحالات التي سبقت.
اما عن حالة تلك البنت وما شابهها في السودان وهي كثيرة، وكاستيعاب للمجتمع السوداني القائم وليس المجتمع الذي في ذهنية الشيوخ، نجد ان رضوخ البنت للاب أو لولي الامر (الخال في الحالة السابقة) يمثل تسليم بالامر ولو على مضض أي يمثل موافقة من جانب البنت، وبالتالي يصبح الزواج قائم وما ترتب عليه من اطفال أو غيره. فعلي الفقهاء ان يعملوا على نصيحة كل ولي امر بان (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216))، أي ليس كل ما تراه وتختاره لابنتك هو خير وليس كل من تختاره ابنتك لوحدها هو شر، فعلي الاب ان يسعي إلى اختيار شريك ابنته إذا اراد (اخطب لبنتك) ولكن عليها الموافقة أو الرفض.
واخيرا علي الفقهاء استيعاب الدين كإرشاد للمجتمعات الانية وليست المجتمعات السابقة ومحاولة اصلاح هذه المجتمعات بالحسني، فليس كل بنت زوجها ابيها غصب عنها يعتبر زواجها باطلا (والا سنجد ان نصف السودانيين مع المجتمع الابوي الموجود هم ابناء حرام)، وليس اختيار كل بنت لشريك حياتها لوحدها يعني الاستقرار لها، فعليهم التشاور حتى تنعم الاسرة الجديدة بالاستقرار داخل المجتمع.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرسالات الإرشادية بعيدا عن التدوين العربي (2)

من الانتفاضة إلى الثورة السودانية (1)