مسرحية النظام يريد دراما اجتماعية سودانية خالصة




مدخل:
اعتذر مرة بعد الأخرى لقراء الراكوبة ومدونة الثقافة السودانية وازمة التدوين لعدم التواصل نسبة لانعدام المساحة الكافية للفكر والكتابة في هذا الوطن، فلا النظام الحاكم ولا المجتمع يري فائدة للفكر إذا لم تكن الاولوية فيه للذات والمجتمع المباشر أي ان يكون فكر جزئي ينشغل بالهموم الفردية وهموم المجتمع المباشر ومعالجة المشكلات اليومية، اما الخروج لدائرة أوسع ومحاولة البدء من الكل وليس من الجزء يعد عند المجتمع عبارة عن هروب من مواجهة الواقع، ولذلك يقتنص الواحد الفرص مرة بعد أخرى لتجاوز تلك الرؤية والتفكير ومن ثم الكتابة في اشياء ليست ذات تاثير مباشر على الفرد حسب اعتقاد المجتمع إذا كان الوضع في دار فور أو جبال النوبة أو أي من ازمات السودان المتعددة. ولكن اليوم سنتحدث عن موضوع اخر ولكن في الاخر يصب في الكلية السودانوية.

مسرحية النظام يريد عودة إلى الزمن الجميل:
ان اسم المسرحية وبعض تعليقات المشاهدين خلقت صدى بانها مسرحية سياسية بحتة، وهو ما كنت اخذه على المسرحية قبل مشاهدتها باعتبار اننا قد استهلكنا أو استهلكتنا السياسة حد الاشباع، ولذلك كان الدافع لحضور المسرحية هو اسم فرقة الاصدقاء فقط بعيدا عن الموضوع. ومن بداية العرض اثبت لنا مصطفي احمد الخليفة انه سينارست سوداني من الدرجة الأولى فقد حول الفكرة السياسية إلى محتوى اجتماعي كامل كانت السياسة دعامته الأساسية ولكن ظهرت القيم المجتمعية الأخرى مثل العلاقات الاسرية داخل المنزل والسبر والظار كظواهر سودانية وغيره، مما حولها إلى صورة مصغرة للمجتمع السوداني وهو ما يحسب لكاتب السناريو.
وحقيقة بعد حضور المسرحية استوعبنا تعب الفرقة في تمرير المشاهد واقناع الرقيب باهميتها، فقد كانت مشاهد حقيقية غير مزيفة نقلت الواقع إلى خشبة المسرح وهو ما جعل الجمهور يري ذاته من خلال المسرحية ويتفاعل معها.
اماعلى مستوى الاداء الشخصي فالمجموعة كلها مبدعة ولكن إذا كان لابد من اختيار شخصية فيكون الاختيار من قبلنا (للهبله) اخلاص نور الدين فمن الواضح تعبها حتى تقمصت تلك الشخصية بالكامل، فقد كان لحضورها وغيابها اثر واضح على كل الأطفال الذين شاهدوا المسرحية وهو ما يؤكد توصيل الشخصية وتاثيرها حتى على الأطفال.
واذا كان هنالك ما يؤخذ على المسرحية نجد أولا ان المسرحية تعبر عن إنسان الوسط فقط بكل همومه واحلامه وحتى فهمه للتغيير كتغيير نحو التحسين المادي للحياة ولم ستصحب معها المجتمعات الأخرى، بالإضافة إلى ذلك نجد اختلاف الإطار المكاني عن الزماني فالاطار المكاني يوحي بعصر ملوكي وهو ما تجاوزه الشعب السوداني ولو شكلا بوجود برلمانات وهيئة قضائية وغيرها وهو ما كان يفترض ان يتم عليه بناء فكرة التغيير، اما الإطار الزماني فهو يعبر عن الواقع الراهن ونجدها في كل المشاهد ولكن أكثر المشاهد التي تبرهن على ذلك هو سيطرة سيدة القصر على زوجها وعلى القصر وهو ما نجده في الواقع الحالي كظاهرة ادت إلى تحكم المراة وتسييرها لشئون المنزل أو البيت ولذلك انتشرت المقولة والتي أصبحت متداولة (الراجل الما بخاف من مرتو هو ذاتو ما راجل).
وحقيقة شكرا لفرقة الاصدقاء ولمجموعة العمل الرائع والتي نقلتنا إلى عالم المجتمعات العادية والى حلم بوطن يسع الجميع، فنحن على مداخل القاعة كانت تدق طبول الحرب ويتم الرقص على جثث ابناء الوطن الواحد وكان هنالك فرح بنصر خاسر، تركنا كل ذلك وسلمنا انفسنا على مدى أكثر من ثلاثة ساعات لتلك المجموعة الرائعة وقد اسمعونا قبل العرض جزء من اغاني العقد الفريد وما ادراك ما عقد الجلاد واغانيها التي تحمل أسئلة مستفزة للفكر والواقع وانتهت باغنية رائعة تلاشى نصفها في المشي الكداري والنصف الاخر في الجرى خلف المواصلات. وحقيقة هنالك الكثير الذي يمكن ان يقال من جانب النقد الفني للعرض وننتظر من النقاد تفكيك تلك الرموز وعرضها على القراء.
إلى هنا انتهي الحلم وموعدنا القادم مع الواقع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرسالات الإرشادية بعيدا عن التدوين العربي (2)

من الانتفاضة إلى الثورة السودانية (1)